الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

امرأتان: (دِقْرة) و(شُميسة) ظنّهما ابن أبي حاتم رجلين! وكذلك الحسيني ظنّ أن (سَيابة) رجلاً! وهل (شميسة) و(سمية) واحدة؟

امرأتان: (دِقْرة) و(شُميسة) ظنّهما ابن أبي حاتم رجلين! وكذلك الحسيني ظنّ أن (سَيابة) رجلاً! وهل (شميسة) و(سمية) واحدة؟

بقلم: خالد الحايك

 

· دِقْرَة:

قال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (3/444): "دقرة. روى عن عائشة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرى الصليب في شيء إلا نزعه. روى عنه بديل بن ميسرة".

فتعقبه المزي في ((تهذيب الكمال)) (35/169) فقال: "وقال عبدالرحمن بن أبي حاتم في أسماء الرجال: دقرة روى عن عائشة في التصليب، روى عنه بديل بن ميسرة. كذا قال! جعله اسم رجل وذلك وهم منه".

وقال ابن حجر في ((الإصابة)) (7/636): "دقرة أم ولد لأذينة. ذكرها الطبراني وقال: يُقال لها صحبة. ولم يورد لها شيئاً. قلت: هي تابعية من الطبقة الأولى، ضبطت بالقاف، وهي بنت غالب الراسبية بصرية والدة عبدالرحمن بن أذينة. أخرج لها النسائي من روايتها عن عائشة في العدة. وذكرها ابن حبان في ثقات التابعين. روى عنها محمد بن سيرين وبديل بن ميسرة. ولها عن عائشة حديث في التصليب في الثوب. ووهم فيها ابن أبي حاتم فظنها رجلاً، فقال: دقرة روى عن عائشة وعنه بديل بن ميسرة. قال المزي في التهذيب: وهم في ذلك".

وقال في ((التقريب)) (ص746): "دقرة بنت غالب الراسبية البصرية. وهم من جعلها رجلاً. وهي مقبولة من الثالثة. وقال الطبراني: يقال: لها صحبة. س".

وقال المحقق المعلمي اليماني متعقباً ابن أبي حاتم: "هذه امرأة. قال ابن حبان في الثقات: ((دقرة بنت غالب الراسبية...)). وفي إكمال ابن ماكولا: ((أما دقرة بكسر الدال وسكون القاف فهي دقرة أم عبدالرحمن بن أذنية روت عن عائشة رضي الله عنها، روى عنها ابن سيرين)). وكذلك ذكر غيره وحكى المزي عبارة المؤلف ثم قال: ((جعله اسم رجل وذلك وهم منه)). وسيأتي مثل هذا في شميسة، والمؤلف لا يذكر في هذه الأبواب تراجم النساء إلا نادراً كما يأتي في آخر باب الذال ((ذرة: روت عن عائشة، روى عنها زيد بن أسلم)). فقد لا يبعد أن يكون قوله هنا ((روى... روى عنه)) وقوله في شميسة ((روى عنه)) من تصرف من بعد المؤلف، والله أعلم".

قلت: وهذا توجيه جيد من المعلمي رحمه الله، لكن الأئمة على خلافه، ثم إن ذرة ذكرها في آخر الباب، ودقرة وشميسة ذكرهما بين أسماء الرجال، فلو أنه ذكرهما في آخر كل باب لكان ذلك مؤشراً على صحة الوجه الذي ذكره الإمام الناقد المعلمي، والله أعلم.

قال ابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (8/490): "دقرة أم عبدالرحمن بن أذينة لقيت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وسمعت منها وروت عنها".

وقال العجلي في ((معرفة الثقات)) (2/452): "دقرة تابعية ثقة".

روى أحمد في ((المسند)) (6/140، 225) عن يزيد وأبي معاوية، قالا: أخبرنا هشام بن حسّان، عن محمد بن سيرين، قال: حدثتني دقرة أم عبدالرحمن بن أذينة قالت: كنا نطوف بالبيت مع أم المؤمنين فرأت على امرأة برداً فيه تصليب. فقالت أم المؤمنين: ((اطرحيه، اطرحيه، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى نحو هذا قضبه)).

· قول صاحبي التحرير في دِقرة!

تعقب صاحبا التحرير (4/414) ابن حجر في قوله عن دقرة بأنها مقبولة بقولهما: "بل: مجهولة الحال، فقد روى عنها اثنان فقط، وذكرها ابن حبان وحده في الثقات".

قلت: بل هي ثقة إن شاء الله.

· شُمَيْسَة:

قال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (4/391) في (باب الشين): "شميسة. روى عنه شعبة. قال عبدالرحمن أخبرنا يعقوب بن إسحاق الهروي فيما كتب إليّ قال: حدثنا عثمان بن سعيد قال: سألت يحيى بن معين، قلت: شميسة؟ قال: ثقة".

فتعقّبه الإمام العلامة المحقق الكبير المعلمي اليماني فقال: "شميسة امرأة فالصواب "روى عنها" وهي مذكورة في التهذيب روت عن عائشة وروى عنها شعبة، ولم يذكر المزي ولا ابن حجر توثيق ابن معين لها، كأنهما لم يعثرا على ذكر المؤلف لها في أسماء الرجال، وقد وقع له مثل هذا في دقرة كما تقدم في باب الدال".

وقد جاء في رواية عثمان بن سعيد الدارمي عن ابن معين التصريح بأنها امرأة. قال عثمان (ص131) رقم (418): قلت –أي ليحيى-: فشميسة تلك؟ فقال: "ثقة".

فتبيّن أن ابن أبي حاتم وهم في قوله. ولعل سبب الوهم راجع إلى أن يعقوب بن إسحاق قد كتب برواية عثمان عن ابن معين إلى ابن أبي حاتم، فلم يذكر كلمة ((تلك)) التي تبين أنها امرأة، فظن ابن أبي حاتم أنها رجل، لأن الغالب على ما هو موجود في كلام يحيى عن الرجال، والله أعلم.

قال عبدالله بن أحمد في ((العلل ومعرفة الرجال)) (2/140): حدّثني أبي قال: حدثنا عبيدالله بن ثور قال: حدّثتني أُمّي قالت: "رأيت شُميسة بنت عزيز بن عاقر الوَسقية -قال عبيدالله: بطن منّا. يعني: العتيك- عليها خُلخالان وهي عجوز كبيرة".

وقال أيضاً (3/388): حدَّثني أبي قال: أخبرنا وكيع قال: أخبرنا شعبة عن أم سلمة العتكية. قال أبي: "أم سلمة هي شميسة".

وروى بَحْشَل في ((تاريخ واسط)) (ص109) عن محمد بن إسماعيل بن سالم قال: حدثنا عفان، قال: حدثنا شعبة قال: قالت لي أمّي: "ههنا امرأة تُحدِّث عن عائشة رضي الله عنها. اذهب فاسمع منها". قال: "فذهبت فسمعت منها. فقلت: قد ذهبت". قالت: "سلّمك الله".

قال أبو الحسن بحشل: "هذه المرأة يقال لها شميسة أم سلمة".

وذكرها المزي في تهذيبه، وقال ابن حجر في ((التقريب)) (ص749): "شميسة بالتصغير بنت عزيز العتكية البصرية مقبولة. من الثالثة. بخ".

· شُميسة وسُمية، هل هما واحدة؟

روى أبو داود في ((السنن)) (4/199) قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا حماد، عن ثابت البناني، عن سمية، عن عائشة رضي الله عنها: ((أنه اعتل بعير لصفية بنت حيي وعند زينب فضل ظهر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزينب: ((أعطيها بعيراً)). فقالت: أنا أعطي تلك اليهودية. فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهجرها ذا الحجة والمحرم وبعض صفر)).

وروى ابن ماجه في ((سننه)) (1/634) قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن يحيى قالا: حدثنا عفان، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن سمية، عن عائشة: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد على صفيه بنت حيي في شيء. فقالت صفية: يا عائشة، هل لك أن ترضي رسول الله صلى الله عليه وسلم عني ولك يومي؟ قالت: نعم. فأخذت خماراً لها مصبوغاً بزعفران فرشته بالماء ليفوح ريحه، ثم قعدت إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا عائشة، إليك عني إنه ليس يومك. فقالت: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. فأخبرته بالأمر فرضي عنها)).

قلت: هكذا جاء ((سُميّة)) فترجم لها المزي وغيره.

قال المزي في ((تهذيب الكمال)) (35/198): "سمية بصرية روت عن عائشة أم المؤمنين (د س ق). روى عنها ثابت البناني (د س ق). روى لها أبو داود والنسائي وابن ماجة".

وقال الذهبي في ((الميزان)) (3/329): "سمية (د س) لا تُعرف. تفرد عنها ثابت البناني".

وقال ابن حجر في ((التقريب)) (ص748): "سمية، بصرية: مقبولة من الثالثة. (د س ق)".

قلت: هكذا ترجموا لسمية كما ترجموا من قبلُ لشميسة. ولكن ابن حجر رجّح أنهما واحدة وخالف ما قاله في تهذيبه وتقريبه، فقال في ((تعجيل المنفعة)) (ص540): "شميسة البصرية. كذا وقع في المسند في حديث أخرجه أحمد عن عفان عن حماد عن ثابت عن شميسة قالت: اعتل بعير لصفية ولزينب فضل ظهر الحديث في غضبه صلى الله عليه وسلم على زينب. قال عفان: حدثنا حماد هكذا. قال: ثم سمعته بعد يرويه عن ثابت عن شميسة عن عائشة رضي الله عنها. يعني كان حماد أول ما حدّث به أرسله، ثم كأنه تذكر فوصله. وقد أخرج البخاري في الأدب المفرد حديثاً لشميسة فأفردها المزي بالذكر فظنها من تأخر عنه أنها غير هذه، والذي أظنه أنها هي".

قلت: وهذا الذي أميل إليه أيضاً أنهما واحدة. ومما يؤكد هذا أن أحمد روى الحديث في ((المسند)) (6/337) عن عبدالرزاق قال: حدثنا جعفر بن سليمان، عن ثابت، قال: حدثتني شميسة أو سمية. قال عبدالرزاق: هو في كتابي سمينة عن صفية بنت حيي.

فهذا يدلّ على أن ثابتاً كان يشك في اسمها، والصواب أنها شميسة.

وحديث شميسة في بعير صفية عند الطبراني في ((المعجم الكبير)) (24/71) عن أبي مسلم الكشي عن أبي عمر الضرير عن حماد بن سلمة عن ثابت عن سمينة عن عائشة.

· عدم تنبه الدكتور بشار والشيخ شعيب لهذا!

تعقب صاحبا التحرير ابن حجر في تحريرهما (4/419) فقالا في (سمية): "بل مجهولة كما قال الذهبي في الميزان، وقد تفرد بالرواية عنها ثابت البناني ولم يوثقها أحد".

قلت: هي شميسة وقد وثقها ابن معين كما نقلتما في ترجمة شميسة (4/421).

· سَيابَة:

ذكر الحسيني في ((التذكرة)): "سَيابة عن عائشة. وعنه نافع. لا يُدرى من هو".

فتعقبه ابن حجر في ((تعجيل المنفعة)) (ص173) فقال: "قلت: سيابة ليست برجل، بل هي امرأة. اختلف في اسمها: فقيل: سيابة، وقيل: سائبة بتقديم الألف. وهي مولاة الفاكه بن المغيرة. وقد أخرج ابن ماجة حديثاً فوقع عنده سائبة، وكذا وقع في الموطأ عن نافع عن سائبة في النهي عن قتل جنان البيوت. وذكرها ابن حبان في الثقات في النساء".

وقال ابن ماكولا في ((الإكمال)) (5/14): "سيابة بسين مهملة بعدها ياء مفتوحة معجمة باثنتين من تحتها وبعد الألف باء معجمة بواحدة... وسيابة امرأة روت عن عائشة رضي الله عنها حدّث عنها نافع مولى ابن عمر كذلك قال سفيان والصواب: سائبة انقلب عليه".

وقال ابن معين في ((تاريخه)) (رواية الدوري) (3/249) في حديث سائبة عن عائشة: "غندر يقول: سيابة".

وقال ابن حجر في ((التقريب)) (ص748): "سائبة مولاة الفاكه بن المغيرة: مقبولة، من الثالثة".

· قول صاحبي التحرير في سائبة!

قال صاحبا التحرير (4/419): "بل مجهولة، كما قال الذهبي في الميزان، فقد تفرد بالرواية عنها نافع مولى ابن عمر، ولم يوثقها أحد".

قلت: بل هي ثقة، ويكفينا أن نافعاً روى عنها.

وكتب: خالد الحايك.

23/6/2008م.

شاركنا تعليقك