الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

المتفق والمفترق/ محمّد بن إسحاق بن أبي يعقوب الكرماني ومحمّد بن أبي يعقوب الكرماني، وهل أصاب الخطيب في توهيم البخاري؟!.

المتفق والمفترق/ محمّد بن إسحاق بن أبي يعقوب الكرماني ومحمّد بن أبي يعقوب الكرماني، وهل أصاب الخطيب في توهيم البخاري؟!

بقلم: خالد الحايك.

 

· توهيم الخطيب للبخاري!

قال البخاري في ((التاريخ الكبير)) (1/41): "محمّد بن إسحاق، هو ابن أبي يعقوب الكرماني. مات سنة أربع وأربعين ومئتين".

ثُم قال في (1/267): "محمد بن أبي يعقوب أبو عبدالله الكرماني: سمع حسّان بن إبراهيم. كتبنا عنه".

وقد تعقّبه الخطيب البغدادي في ((الموضح)) (1/11) فقال: "الوهم الثاني: قال البخاري في باب الألف من آباء المحمّدين: محمد بن إسحاق هو ابن أبي يعقوب الكرماني، مات سنة أربع وأربعين. وقال في آخر باب الياء منهم: محمد بن أبي يعقوب أبو عبدالله الكرماني سمع حسّان بن إبراهيم. والوهم في هذا أظهر من أن يذكر ما يسند إليه أو يحتاج إلى أمرٍ يستشهد به عليه".

قلت: هكذا وهّم الخطيبُ البخاريَّ في التفريق بينهما!

وأما ابن أبي حاتم فقال في ((الجرح والتعديل)) (7/195): "محمد بن إسحاق بن أبي يعقوب الكرماني: إن كان البلخي فروى عن جرير وابن عيينة والخلق. سمعت منه. سمعت أبي يقول ذلك".

وقال في (8/122): "محمد بن أبي يعقوب أبو عبدالله الكرماني روى عن حسان بن إبراهيم. سمعت أبي يقول: هو مجهول".

فيحتمل أنه قصد التفرقة بين اللذين ذكرهما البخاري ويحتمل أنه قصد بالأول غيره كما سيأتي موضحاً في كلامٍ نفيس للإمام المعلمي اليماني.

وقد عَرض ابن القطان الفاسي في ((بيان الوهم والإيهام)) (3/288) لحديث رواه محمد بن أبي يعقوب الكرماني في حج المرأة، وتعقب أبا محمد عبدالحق في قوله بأنه محمداً هذا مجهول، فقال: "فأبو محمّد –رحمه الله- قال في محمد بن أبي يعقوب هذا الذي يروي عن حسان بن إبراهيم: إنه مجهول كما قال غيره، وهو أبو حاتم الرازي، وكذلك ذكره البخاري ذكراً يقضي بأنه مجهول. ورد ذلك الخطيب بن ثابت على البخاري، وبيّن أنه محمد بن إسحاق بن أبي يعقوب الكرماني المتقدم ذكره عنده في باب الألف من أسماء الآباء. قال: وقد وهم البخاري في التفرقة بينهما بترجمتين، وهما واحد، وكذلك قال أبو نصر الكلاباذي كما قال الخطيب. فأما متابعة ابن أبي حاتم للبخاري على التفرقة فغير معتبرة؛ فإنه إنما ينقل رسوم البخاري في الأكثر، ويزيد الجرح والتعديل، فلذلك يتفقان في الأوهام كثيراً، وكذا ذكره ابن الجارود في كتابه الكنى منسوباً إلى جده فقال: أبو عبدالله محمد بن أبي يعقوب كما في الإسناد.

وإذا كان محمد بن إسحاق بن أبي يعقوب فهو ثقة، وثقه ابن معين، وأخرج له البخاري في جامعه، روى عنه البخاري بالبصرة، وإذا ثبت هذا، فليس ما أعلّ به الخبر به علة، وعلته إنما هي العباس بن محمد بن مجاشع، فإنه لا تُعرف حاله، فاعلم ذلك". انتهى كلام ابن القطان.

وقال ابن حجر في ((التلخيص الحبير)) (2/289): "وأعله عبدالحق بجهل حال محمد. قال ابن القطان: تبع في ذلك أبا حاتم نصاً والبخاري إشارة، وقد بين الخطيب أن البخاري وهم في جعله إياه ترجمتين فإنه فرق بين محمد بن أبي يعقوب الكرماني ومحمد بن إسحاق بن يعقوب الكرماني وهو واحد".

· أوهام، وانتصار المعلمي للبخاري!

قلت: كلّ ذلك وهم!! فالبخاريّ لم يفرّق بينهما، وكيف يفرق بينهما وهو شيخه. وقد أجاب الإمام الناقد المعلمي اليماني على هذا، ورد كلام الخطيب.

فقال في تعليقه على التاريخ الكبير متعقباً الخطيب: "ليس هذا بوهم، وإنما ذكره المؤلف في الموضعين على علمٍ، وعبارته هنا وهناك توضح ذلك، فإنه ذكر هناك وفاته وقال هنا ((كتبنا عنه))، فهو شيخه أخرج عنه في الصحيح وغيره، وفي التهذيب: ((وفي الزهرة روى عنه البخاري أربعين حديثاً))، فأما أبو حاتم فلم يعرفه، فإن ابنه ذكر في كتابه كما هنا إلى قوله ((إبراهيم)) ثم قال: ((سمعت أبي يقول هو مجهول)). وقال فيمن اسم أبيه إسحاق ((محمد بن إسحاق بن أبي يعقوب الكرماني إن كان البلخي فروى...)) وليس به! فإن الكرماني هو محمد بن إسحاق بن منصور أبو عبدالله بن أبي يعقوب الكرماني سكن البصرة. (التهذيب 9/38). والبلخي هو محمد بن إسحاق بن حرب أبو عبدالله اللؤلؤي السهمي مولاهم من أل بلخ ويعرف بابن أبي يعقوب قدم الكوفة قبل سنة ثلاثين ومئتين، وقدم بغداد في سنة اثنتين وعشرين ومئتين. والكرماني ثقة والبلخي كذّبوه".

وردّ المعلمي على الخطيب في تعليقه على الموضح، فقال: "ليس هذا بوهم، فالكرماني مشهور بالاسمين باعتراف الخطيب إذ يقول ((أظهر من أن يذكر...)). وهو مع ذلك من شيوخ البخاري فلم يكن ليشتبه عليه، لكن لما كان يذكر بالاسمين ولكل منهما مظنة بحسب الترتيب، ذكره البخاري في كلتا المظنتين، والخطيب ومن بعده مما يفعلون ذلك، فتارة يستوفون الترجمة في أحد الموضعين، ويذكرون الاسم فقط في الآخر، وتارة يطيلون في أحدهما ويذكرون في الآخر مع الاسم نبذة مما يتعلق بالترجمة، وعلى كلتا الحالين يحيلون في أحد الموضعين أو كليهما على الآخر مصرحين. أما البخاري رحمه الله فإنه إذا اتفق له نحو هذا فإنه غالباً يحرص على أن يكون في كلّ من الموضعين فائدة زائدة على الآخر كما هنا، وربما استوفى الترجمة في كل من الموضعين ليستغني الناظر بأيهما سبق إليه، ولا يحيل صريحاً بل تارة يستغني بظهور الحال كما هنا، إن لم نقل إن قوله ((وهو ابن أبي يعقوب)) تحويل على طريقته، وتارة يحيل بإشارة يفقهها من له تعلّق بالفن، وتلك طريقة البخاري حتى في الصحيح من الاجتزاء بالإيماء والتلميح حثاً للقارئ ورياضة له على التيقظ والتفهم والتدبر إذا كان من أهل الفن ولهم ألّف البخاري كتبه".

قلت: وهذا كلام نفيس من إمام ناقد بصير يرحمه الله.

وقد ذكر البخاري في ((التاريخ الأوسط)) (2/380) في ((سنة أربع وأربعين ومئتين)): "ومات فيها محمد بن إسحاق، وهو محمد بن أبي يعقوب الكرماني سمع حسان ابن إبراهيم. هذا قدم علينا البصرة".

قلت: فهنا جمع بين الترجمتين اللتين فرقهما في تاريخه الكبير، وهذا دليل واضح على أنهما عنده واحد ولم يفرّق بينهما كما زعموا، وإنما أراد ألا يخلي موضعاً من ترجمته لمن لا يعرف أن محمد بن إسحاق هو محمد بن أبي يعقوب، فهذا نوع من التنبيه من خلال تراجمه لئلا يقع طلبة العلم في الخطأ، فلله دره.

وقد أخرج له في ((صحيحه)) باب من أحب البسط في الرزق (2/728) قال: حدثنا محمد بن أبي يعقوب الكرماني: حدثنا حسان: حدثنا يونس: حدثنا محمد: عن أنس ابن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من سرّه أن يبسط له في رزقه أو ينسأ له في أثره فليَصل رَحمه)).

وفي باب: هل يقضي القاضي أو يفتي وهو غضبان (6/2617) قال: حدثنا محمد بن أبي يعقوب الكرماني: حدثنا حسان بن إبراهيم: حدثنا يونس: قال محمد أخبرني سالم: أن عبدالله بن عمر أخبره: ((أنه طلق امرأته وهي حائض فذكر عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فتغيظ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: ليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها)).

· على شرط ابن حجر في الهدي!

ومحمد بن أبي يعقوب هذا على شرط ابن حجر في ((هدي الساري)) في فصل من طعن فيهم من رجال البخاري، فإن أبا حاتم جهّله، وقوله مردود فهو من شيوخ البخاري.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

وكتب خالد الحايك.

31/5/2008م.

شاركنا تعليقك