الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

الترجمة للرواة تبعاً للاختلاف في الأسانيد.

الترجمة للرواة تبعاً للاختلاف في الأسانيد.

 

بقلم أبي صهيب الحايك.

 

روى عَمرو بن حَرِيش الزُّبيديّ، عن عبدالله بن عمرو بن العاصي، قال: قلت يا أبا محمد: إنا بأرض لسنا نجد بها الدينار والدرهم، وإنما أموالنا المواشي، فنحن نتبايعها بيننا فنبتاع البقرة بالشاة نظرة إلى أجل، والبعير بالبقرات، والفرس بالأباعر، كلّ ذلك إلى أجل. فهل علينا في ذلك من بأس؟ فقال: "على الخبير سقطت. أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبعث جيشاً على إبل كانت عندي. قال: فحملت الناس عليها حتى نفدت الإبل، وبقيت بقية من الناس. قال: فقلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، الإبل قد نفدت، وقد بقيت بقية من الناس لا ظهر لهم. قال: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ابتع علينا إبلاً بقلائص من إبل الصدقة إلى محلها حتى ننفذ هذا البعث)). قال: فكنت ابتاع البعير بالقلوصين والثلاث من إبل الصدقة إلى محلها حتى نفذت ذلك البعث. قال: فلما حلت الصدقة أداها رسول الله صلى الله عليه وسلم".

وهذا حديثٌ مشهورٌ، رواه محمد بن إسحاق صاحب المغازي، واختلف عليه اختلافاً كثيراً. رواه عنه: حماد بن سلمة، وإبراهيم بن سعد، وجرير بن حازم، وعبدالأعلى بن عبدالأعلى.

وقد اختلف على حماد بن سلمة: رواه حفص بن عمر الحوضي، عن حماد بن سلمة، عن محمد ابن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن مسلم بن جبير، عن أبي سفيان، عن عمرو بن حريش، عن عبدالله بن عمرو. [رواه أبو داود في السنن (3/250)، والدارقطني في السنن (3/70)، والحاكم في المستدرك (2/65). وسقط من مطبوع المستدرك: "عن عمرو بن حريش". قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه"!! وفيه نظر! لأن مسلماً لم يخرِّج لعمرو بن حريش، ولا لأبي سفيان، ولا لمسلم بن جبير].

وتابعه عبدالواحد بن غياث، عن حماد بن سلمة، عن ابن إسحاق، عن يزيد، عن مسلم، عن أبي سفيان، عن عمرو. [رواه البيهقي في السنن الكبرى: 5/287].

وخالفهما عفّان بن مسلم الصفار، فرواه عن حماد بن سلمه، عن ابن إسحاق، عن يزيد ابن أبي حبيب، عن مسلم بن أبي سفيان، عن عمرو بن حريش.

قلت: كأنه سقط من كتاب عفّان "جبير" فصار عنده: عن مسلم بن أبي سفيان! والأرجح أنه خطأ في النسخ الموجود فيها هذا الحديث؛ لأن عفان ثقة ثبت، وخاصة في ضبط الأسامي. ولو صحّ أن عفان لم يخطئ فيه فيكون قد وافق الحوضي وعبدالواحد على إسناده.

ورواه إبراهيم بن سعد وجرير بن حازم، فخالفا حماد بن سلمة، فروياه عن محمد بن إسحاق، عن أبي سفيان، عن مسلم بن جبير، عن عمرو بن الحريش، قال: سألت عبدالله ابن عمرو. [رواهما أحمد في المسند: 2/171،  2/216].

ورواية إبراهيم بن سعد هذه أخرجها الإمام أحمد عن يعقوب بن إبراهيم عن أبيه. ورواها البخاري في ((التاريخ الكبير)) (6/322) عن سعيد بن محمد الجرمي، عن يعقوب ابن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن إسحاق: حدثني سفيان بن جبير مولى ثقيف الحرشي -وكان ثقة- عن عمرو.

فخالف سعيد بن محمد الإمام أحمد في إسناده، فلم يذكر أبا سفيان، وذكر سفيان بن جبير بدل مسلم بن جبير! وسعيد بن محمد ثقة؛ إلا أن رواية الإمام أحمد أضبط من روايته، سيما وأن رواية أحمد لها متابع من رواية جرير بن حازم.

ورواه عن ابن إسحاق: عبدالأعلى بن عبدالأعلى، فخالفهم فيه. فرواه عن ابن إسحاق، عن أبي سفيان، عن مسلم بن كثير، عن عمرو بن حريش. [رواه البخاري في التاريخ الكبير: 6/323].

تنبيه: جاء في مطبوع ((الإكمال)) لابن ماكولا (2/422): "... وخالفهم عبدالأعلى بن عبدالأعلى، فرواه عن ابن إسحاق عن أبي سفيان بن مسلم بن كثير عن عمرو بن حريش".

وقد جاء هذا النص في مطبوعة تحفة الأشراف: (6/370) رقم (8899): "رواه عبدالأعلى بن عبدالأعلى عن ابن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي سفيان بن مسلم بن كثير عن عمرو بن حريش".

قلت: قد تحرفت "عن" إلى "بن" في الكتابين، وزِيد في التحفة في الإسناد "يزيد بن أبي حبيب"، وجاء على الصواب في ((تهذيب الكمال)) (21/583): "وقال عبدالأعلى بن عبدالأعلى، عن ابن إسحاق، عن أبي سفيان، عن مسلم بن كثير، عن عمرو بن حريش".

قلت: فيكون عبدالأعلى قد خالف في اسم شيخ أبي سفيان، فقال: مسلم بن كثير، والآخرون قالوا: مسلم بن جبير، وكأنه تصحف في نسخته، وما رواه الجماعة أرجح وأصوب.

قال البيهقي في ((السنن الكبرى)) (5/287): "اختلفوا على محمد بن إسحاق في إسناده، وحماد بن سلمة أحسنهم سياقة له، وله شاهدٌ صحيحٌ". وشاهده الذي ذكره رواه من طريق يونس بن عبدالأعلى عن ابن وهب عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبدالله بن عمرو بن العاص، نحوه.

قلت: اتفق إبراهيم بن سعد وجرير بن حازم وعبدالأعلى في رواياتهم مع الاختلاف في ذكر الاسم في رواية عبدالأعلى، ولكنهم التفقوا في ذكر أبي سفيان، وذكر شيخه مسلم، وخالفهم حماد بن سلمة فزاد في إسناده: يزيد بن أبي حبيب، وقلب موضع الشيخ والتلميذ، فجعل الراوي عن عمرو بن حريش أبو سفيان، والراوي عنه مسلم بن جبير، ورواية الجماعة أرجج؛ وحماد ثقة وكان يخطئ.

والصواب عندي رواية: إبراهيم بن سعد وجرير بن حازم، عن ابن إسحاق، عن أبي سفيان الحرشي، عن مسلم بن جبير مولى ثقيف، عن عمرو بن حريش الزبيدي، عن عبدالله بن عمرو بن العاص.

وبناءً على هذه الاختلافات في إسناد هذا الحديث ترجم أصحاب كتب الرّجال. فمنهم من جعل الراوي عن عمرو بن حريش هو أبو سفيان. ومنهم من جعله سفيان بن جبير أو مسلم بن جبير. ومنهم من جعله مسلم بن كثير!

· ترجمة عَمرو بن حَرِيش الزُّبيديّ:

قال البخاري في ((التاريخ الكبير)) (6/322): "عمرو بن حريش أبو محمد الزُّبيدي: سمع عبدالله ابن عمرو. قاله سعيد بن محمد، عن يعقوب بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن إسحاق: حدثني سفيان بن جبير مولى ثقيف الحرشي -وكان ثقة- عن عمرو. وقال عبيدالله عن يونس عن ابن إسحاق، عن أبي سفيان الحرشي، عن عمرو. وقال عبدالأعلى عن ابن إسحاق، عن أبي سفيان، عن مسلم بن كثير، عن عمرو بن حريش. وقال حفص بن عمر عن حماد بن سلمة، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن مسلم بن جبير، عن أبي سفيان، عن عمرو في بيع الحيوان".

قلت: هكذا في المطبوع من التاريخ الكبير، وقال الشيخ المحقق المعلمي اليماني أنه وقع هكذا في الأصل، ثم قال: "وسقط بعض الكلمات منه، والصواب: أبو سفيان عن مسلم ابن جبير، أو هو من أوهام الرواة".

قلت: لا سقط فيها، وما ذكره البخاري هو كذلك عن سعيد بن محمد، وقد بيّنت أنه أخطأ في هذه الرواية، وخالف الإمام أحمد فيها.

قال الإمام مسلم في ((الكنى والأسماء)) (ص722): "أبو محمد عمرو بن حريش الزبيدي: سمع عبدالله بن عمرو. وروى عنه: سفيان بن جبير أو مسلم بن جبير".

قلت: اعتمد مسلم ما جاء في ترجمة البخاري السابقة، فذكر في رواية سفيان بن جبير وفي أخرى مسلم بن جبير، فقال مسلم: سفيان بن جبير أو مسلم بن جبير. والصواب أنه: مسلم بن جبير، والرواية التي جاء فيها سفيان بن جبير أخطأ فيها سعيد بن محمد الجرمي.

وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (6/227): "عمرو بن حريش أبو محمد الزبيدي: سمع عبدالله بن عمرو. روى عنه أبو سفيان عن مسلم بن كثير. سمعت أبي يقول ذلك".

وقال الذهبي في ((المغني)) (2/482): "عمرو بن حريش الزبيدي: تابعيّ ما روى عنه سوى أبي سفيان، ولا يُعرف أيضاً". وقال في ((ديوان الضعفاء والمتروكين)) (2/203): "تابعيّ مجهول".

وقال ابن حجر في ((التقريب)) (ص489): "له حديثٌ مشهورٌ، وهو مجهول الحال، من الرابعة، وزعم ابن حِبّان أنه عمرو ابن حُبْشي فوهِم. د".

· وهم لابن حبان، وترجمة عمرو بن حبشي:

قال ابن حبان في ((الثقات)) (5/137): "عمرو بن حبشي الزبيدي: يروي عن ابن عباس وابن عمر. روى عنه عبدالله بن مقدام. وهو الذي يُقال له: عمرو بن حَريش".

قلت: هكذا جمع بينهما ابن حبان! وهو وهم كما قال ابن حجر. وقد فرّق بينهما البخاري وابن أبي حاتم، وغيرهما.

قال البخاري في ((التاريخ الكبير)) (6/322): "عمرو بن حُبشي الزبيدي: سمع ابن عمر وابن عباس. روى عنه عبدالله بن مقدام".

وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (6/226): "عمرو بن حبشي الزبيدي: سمع ابن عمر وابن عباس. روى عنه أبو إسحاق الهمداني وعبدالله بن مقدام بن الورد. سمعت أبي يقول ذلك".

وقال ابن حجر في ((التقريب)) (ص420): "عمرو بن حبشي، بضم المهملة وسكون الموحدة، ثم معجمة، الزبيدي بضم الزاي، الكوفي: مقبول، من الثالثة. س".

وتعقبه صاحبا التحرير (3/89) فقالا: "بل: مجهول الحال، فقد روى عنه اثنان فقط، وذكره ابن حبان وحده في الثقات".

قلت: هو مقبول، حسن الحديث.

وقد وجدت رواية قد تكون هي التي جعلت ابن حبان يقول بأن عمرو بن حبشي هو عمرو بن حريش. قال أبو عُبيد في كتاب ((الأموال)) (ص499): حدّثنا حجاج، عن شعبة، عن يعلى بن عطاء، عن عمرو بن حبشي، قال: قال لي عبدالله بن عمرو: "يا عمرو بن حبشي، كيف أنت إذا بعث عليكم مصدقون: يسألونكم العداء، ثم قال: أعطهم ما سألوك، وإلا ضربوا رأسك، فوقع رأسك ههنا، وجسدك ههنا، ثم لا يتكلم فيك أحد".

قلت: لعل الواو في "عبدالله بن عمرو" زائدة في الكتاب، فيكون عبدالله بن عمر، فلا إشكال في الرواية. وإنّ صحّ أنه عبدالله بن عمرو بن العاص، فيحتمل أن يكون تحريف وسقط في الرواية! فيكون عمرو هو ابن حريش وتحرفت إلى حبشي، وسقط من الإسناد شيخ يعلى بن عطاء؛ لأن يعلى لا يروي عن عمرو بن حريش إلا بواسطة، فالله أعلم بالصواب.

· ترجمة مسلم بن جبير:

قد رجّحت أن الراوي عن عمرو بن حريش هو مسلم بن جبير لا أبو سفيان، بل إن أبا سفيان يروي عن مسلم. وقد ترجم البخاري وغيره لمسلم بن جبير، ولم يذكروا أنه يروي عن عمرو بن حريش، فهل هذا الذي ترجموه آخر؟!

قال البخاري في ((التاريخ الكبير)) (7/258): "مسلم بن جبير الحرشي عن ابن عمر. نسبه هشيم عن يعلى بن عطاء".

وتبعه على ذلك أبو حاتم الرازي وابنه وابن حبان. قال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (8/181): "مسلم بن جبير الحرشي الطائفي. روى عن ابن عمر. روى عنه يعلى بن عطاء. سمعت أبي يقول ذلك".

وقال ابن حبان في ((الثقات)) (5/393): "مسلم بن جبير الحرشي: يروي عن ابن عمر. روى عنه يعلى بن عطاء".

والحديث الذي رواه عن ابن عمر رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (2/409)، عن وكيع. ورواه عبدالرزاق في ((مصنفه)) (4/38) كلاهما عن سفيان الثوري، عن يعلى بن عطاء، عن مسلم بن جبير، قال: سألت ابن عمر قال: قلت فريضة إبل أحسبها على الساعي، وأعقلها أشتريها؟ قال: ((لا بارك الله فيها. لا تشتري طهرة مالك)).

· عبارة سقطت من "مطبوع تهذيب الكمال":

قال المزي في ((تهذيب الكمال)) (27/494): "مسلم بن جبير عن أبي سفيان (د). وعنه يزيد بن أبي حبيب (د). وفي إسناد حديثه اختلاف قد ذكرناه في ترجمة عمرو بن حريش. قال ابن حبان في كتاب الثقات: مسلم بن جبير الحرشي: روى عن ابن عمر. روى عنه يعلى بن عطاء".

ونقل ذلك ابن حجر في ((تهذيب التهذيب)) (10/112) ثُمّ قال: "فيحتمل أن يكون هو هذا. قلت: قال الذهبي: لا يُدرى من هو، وقيل: تفرد عنه يزيد".

قلت: قوله: "فيحتمل أن يكون هو هذا" أظنه من قول المزي، ولا يوجد في المطبوع من كتابه! والدليل على أنه من قول المزي أنه ذكر مسلم بن جبير راوي حديث عمرو بن حريش ثم ذكر الذي ترجمه ابن حبان، فناسب أن يتبعه المزي بهذا القول الذي نقله ابن حجر. ومما يرجح أنه قول المزي أيضاً أن ابن حجر عادة ينقل كلام المزي كاملاً ثم يتبعه بقوله: قلت.

قال الذهبي في ((الميزان)) (6/413): "مسلم بن جبير (د) عن أبي سفيان: لا يُدرى من هو! وقيل: تفرد عنه يزيد بن أبي حبيب".

قلت: قد بينت أن ذكر يزيد خطأ من حماد بن سلمة. وأبو سفيان يروي عن مسلم ابن جبير لا العكس.

وقال ابن حجر في ((لسان الميزان)) (7/385): "مسلم بن جبير عن أبي سفيان. وعنه يزيد بن أبي حبيب. وثقه ابن حبان".

وقد فرّق الحسيني بين هذا الذي روى عنه يعلى بن عطاء، وبين الذي روى عنه أبو سفيان. قال الحسيني: "هو غير الذي قبله" -يعني الذي أخرج له أبو داود. قال: "ويحتمل أن يكون هو هو، وفيه بعد. ويحتمل أن يكون الجميع واحداً، وهو أبعد".

وقد تعقبه ابن حجر، فقال في ((تعجيل المنفعة)) (ص400): "قلت: لا بُعْدَ فيه لاتحاد الاسم والأب والنسبة. فإنّ الثقفي ينسب طائفياً؛ لأنها بلدهم ونسبته حرشياً، فيجوز أن يكون أصله منها، ونسب ثقفياً بالولاء، وطائفياً بسكناه مع مواليه. وأما مجيئه في السند تارة راوياً عن مسلم أو شيخاً له فمن الرواة. وبيان ذلك: أن مدار الحديث على محمد بن إسحاق، فأورده أحمد عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عنه قال: حدثني أبو سفيان الحرشي -وكان ثقة فيما ذكر أهل بلاده- عن مسلم بن جبير، مولى ثقيف، -وكان رجلاً يؤخذ عنه، قد أدرك وسمع-، عن عمرو الزبيدي، عن عبدالله بن عمرو، فذكر الحديث في شراء البعير بالبعيرين. وأخرجه أيضاً من طريق جرير بن حازم عن ابن إسحاق بدون توثيق مسلم بن جبير. وأخرجه أبو داود من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق بسياق آخر، فقال: عن يزيد بن أبي حبيب عن مسلم بن جبير عن أبي سفيان عن عمرو بن الحريش عن عبدالله بن عمرو، فزاد حماد في السند يزيد بن أبي حبيب. وقد ذكر البخاري في ترجمة عمرو بن حريش الاختلاف فيه. وإذا كان الحديث واحداً وفي رجال إسناده اختلاف بالتقديم والتأخير رجّح الإتحاد، ويترجح برواية إبراهيم بن سعد على رواية حماد باختصاصه بابن إسحاق، وقد تابع جرير بن حازم إبراهيم كما تقدم فهي الراجحة".

قلت: هذا تحرير رائع من ابن حجر –رحمه الله-، وهو الصواب، وهما واحد. ومع هذا التحرير منه، ونقله توثيق مسلم بن جبير؛ إلا أنه قال في ((التقريب)) (ص529): "مسلم ابن جبير: مجهول، من الرابعة. د".

قلت: المعتمد هو ما حرره في التعجيل، وابن حجر يخالف أحياناً في رأيه الذي في التقريب عما هو موجود في كتبه الأخرى محرراً كتهذيب التهذيب والتعجيل؛ وذلك يرجع إلى عدة أسباب، منها: السرعة، وعدم الرجوع إلى كتبه الأخرى، وكذلك فإن ما يكتبه في التقريب قائم على الاختصار لا التحرير في أحايين كثيرة.

· وهم لأبي حاتم الرازي:

قال ابن أبي حاتم في ((العلل)) (1/390): سألت أبي عن حديث: رواه حماد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن مسلم بن جبير، عن أبي سفيان، عن عمرو بن حريش. قلت لأبي: من مسلم بن جبير؟ قال: "هو مصريّ". قلت: فأبو سفيان، من هو؟ قال: "هو الشامي. إن لم يكن الذي روى عنه يحيى بن أبي كثير عن أبي سفيان رجلٌ من أهل الشام عن بحير بن ريسان عن عبادة في الصلاة بين التراويح. قال: لا أدري من هو؟".

قلت: وَهِمَ أبو حاتم في الموضعين. فمسلم بن جبير ليس مصرياً، وإنما هو طائفياً حرشياً، كما سبق. والذي جعل أبا حاتم يقول بأنه مصري أن يزيد بن أبي حبيب مصري. وقد ثبت أن ذكر يزيد خطأ في هذا الإسناد.

وكذلك أبو سفيان ليس شامياً، فهو حرشي أيضاً، وأبو سفيان الشامي آخر. وقد جاء في رواية الإمام أحمد في ((مسنده)) (2/216) عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن ابن إسحاق، قال: حدثني أبو سفيان الحرشي -وكان ثقة فيما ذكر أهل بلاده- عن مسلم بن جبير مولى ثقيف -وكان مسلم رجلاً يؤخذ عنه، وقد أدرك وسمع- عن عمرو بن حريش.

· وهم للحاكم:

أخرج الحاكم في ((المستدرك على الصحيحين)) (2/65) من طريق عثمان بن سعيد الدّارمي، قال: حدثنا أبو عمر الحوضي، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن مسلم بن جبير، عن أبي سفيان، عن عبدالله بن عمرو -رضي الله عنهما-: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشاً فنفذت الإبل، فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آخذ من قلائص الصدقة، فكنت آخذ البعير بالبعيرين.

قال الحاكم: "هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلم، ولم يخرجاه".

قلت: هذا إسنادٌ معلول. وزاد فيه حماد: "يزيد بن أبي حبيب"، وقلب الأسماء. وكيف يكون على شرط مسلم، ولم يخرج لمسلم بن جبير وأبي سفيان!

· ترجمة مسلم بن كثير خطأ:

خالف عبدالأعلى الجماعة في اسم شيخ أبي سفيان، فقال: مسلم بن كثير، والآخرون قالوا: مسلم بن جبير. ومَن ترجم له فقد وهم.

قال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (8/193): "مسلم بن كثير: روى عن عمرو بن حريش الزبيدي، عن عبدالله بن عمرو بن العاص. روى عنه أبو سفيان". قال  عبدالرحمن بن أبي حاتم: أخبرنا يعقوب بن إسحاق الهروي فيما كتب إليّ، قال: حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي، قال: قلت ليحيى بن معين: محمد بن إسحاق عن أبى سفيان. ما حال أبي سفيان؟ فقال: ثقة مشهور. قلت: عن مسلم بن كثير عن عمرو بن حريش الزبيدي. قال: "هذا حديثٌ مشهورٌ". قال أبو محمد: يعني ما رواه عبدالأعلى السامي عن محمد بن إسحاق عن أبي سفيان عن مسلم عن عمرو بن حريش الزبيدي قال: قلت لعبدالله بن عمرو، الحديث".

قلت: هذه الترجمة وهم من ابن أبي حاتم، ولم ينقل ذلك عن أبيه؛ لأن البخاري لم يترجم لمسلم بن كثير، وأبو حاتم يتبعه دائماً، وكذلك ابن حبان.

وقد اكتفى يحيى بن معين بقوله إن هذا حديث مشهور عندما سئل عن مسلم بن كثير عن عمرو بن حريش! فلو أنه عرف مسلم بن كثير هذا لأخبر عثمان الدارمي عنه.

· ترجمة أبي سفيان الحرشيّ:

قال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (9/382): "أبو سفيان: روى عن مسلم ابن كثير، عن عمرو بن حريش عن عبدالله بن عمرو. روى عنه محمد بن إسحاق بن يسار". قال عبدالرحمن: أخبرنا يعقوب بن إسحاق فيما كتب إلىّ قال: حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي، قال: قلت ليحيى بن معين: محمد بن إسحاق عن أبى سفيان. ما حال أبي سفيان هذا؟ فقال: "ثقة مشهور". قلت: عن مسلم بن كثير عن عمرو بن حريش الزبيدي. فقال: "هذا حديث مشهور".

قلت: لم يترجمه البخاري، ولذلك لم يذكره أبو حاتم لابنه ولا ابن حبان؛ لأنهما يتبعان البخاري في كلّ شيء.

وهذه الترجمة من ابن أبي حاتم، وذكره بأنه روى عن مسلم بن كثير وهم كما سبق بيانه، وإنما هو مسلم بن جبير. وقد مرّ توثيق أبي سفيان أيضاً في رواية الإمام أحمد.

وقال الذهبي في ((المقتنى في سرد الكنى)) (1/280): "أبو سفيان عن عمرو بن حريش".

وقال في ((المغني في الضعفاء)) (2/787)، وفي ((الميزان)) (7/374): "أبو سفيان عن عمرو بن حريش عن عبدالله بن عمرو: لا يُعرف".

قلت: قد عرفه ابن معين وغيره، وهو ثقة. وهو يروي عن مسلم بن جبير.

وقال ابن حجر في ((التقريب)) (ص645): "أبو سفيان عن عمرو بن حريش: مقبول، من السادسة. د".

قلت: بل ثقة، وهو يروي عن مسلم بن جبير عن عمرو بن حريش.

وقال صاحب ((الإكمال لرجال أحمد)) (ص517): "أبو سفيان الحرشي عن مسلم ابن جبير -مولى ثقيف-. وعنه ابن إسحاق.كذا قال. والصواب مسلم بن جبير عن أبي سفيان".

قلت: بل الصواب هو ما خطأه، وما قاله خطأ؛ فإن أبا سفيان يروي عن مسلم بن جبير، لا العكس.

· تعقب ابن القطان الفاسي:

قال ابن القطان: "هذا حديثٌ ضعيفٌ مضطربُ الإسناد. فرواه حماد بن سلمة عن ابن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن مسلم بن جبير عن أبي سفيان عن عمرو بن حريش عن ابن عمرو، هكذا أورده أبو داود. ورواه جرير بن حازم عن ابن إسحاق فأسقط يزيد بن أبي حبيب، وقدّم أبا سفيان على مسلم بن جبير، فقال فيه: عن ابن إسحاق عن أبي سفيان عن مسلم بن جبير عن عمرو بن حريش، ذكر هذه الرواية الدارقطني. ورواه عفّان عن حماد بن سلمة، فقال فيه: عن ابن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن مسلم بن أبي سفيان عن عمرو بن حريش. ورواه عبدالأعلى عن ابن إسحاق عن أبي سفيان عن مسلم بن كثير عن عمرو بن الحريش، فذكره. ورواه عن عبدالأعلى ابن أبي شيبة فأسقط يزيد بن أبي حبيب، وقدّم أبا سفيان كما فعل جرير بن حازم إلا أنه قال في مسلم بن جبير مسلم بن كثير. ومع هذا الاضطراب فعمرو بن حريش مجهول الحال، ومسلم بن جبير لم أجد له ذكراً، ولا أعلمه في غير هذا الإسناد. وكذلك مسلم مجهول الحال أيضاً إذا كان عن أبي سفيان، وأبو سفيان فيه نظر". انتهى كلامه. (نصب الراية: 4/47).

قلت: أما دعواه بالاضطراب فلا تصح؛ لأن هذه الاختلافات ليس من الراوي نفسه؛ وإنما هي من الرواة عنه، وقد بينت أن جماعة ضبطوه عن ابن إسحاق وخالفوا حماد بن سلمة، فالاضطراب منفي عن هذا الحديث.

وأما تجهيله لهؤلاء الرواة فهو من منهجه المتشدد في الجهالة، فأيّ راو لا يعرفه يطلق عليه الجهالة! وقد تبيّن لنا أن هؤلاء ثقات، فلا يلتفت إلى قوله فيهم.

· تعقب ابن حزم:

قال ابن حزم في ((المحلى)) (9/107): "وهذا حديثٌ في غاية فساد الإسناد. رويناه من طريق محمد بن إسحاق، فمرة رواه عن أبي سفيان، ولا يُدرى من هو، عن مسلم بن كثير، ولا يُدرى من هو، وعن عمرو بن دينار الدينوري، ولا يُدرى من هو، عن عمرو ابن حريش الزبيدي، ولا يُدرى من هو. ومرة قلب الإسناد فجعل أوله آخره وآخره أوله، فرواه عن يزيد بن أبي حبيب عن مسلم عن جبير، ولا يُدرى من هو، عن أبي سفيان، ولا يُدرى من هو، عن عمرو بن حريش. ومثل هذا لا يَلتفت إليه إلا مجاهرٌ بالباطل أو جاهلٌ أعمى". انتهى كلامه.

قلت: هذا الكلام مردودٌ! فإن الاختلاف ليس من ابن إسحاق، وإنما من بعض الرواة عنه أو عن من روى عنه كما ظهر جلياً معنا.

وأما تجهيله لهؤلاء فلا يلتفت إليه؛ لأن تجهيله للرواة لا يُعتد به، فهو واسع الخطو في ذلك، فكم من إمام معروف جهّله ابن حزم كالترمذي وغيره!

وقوله: "وعن عمرو بن دينار الدينوري، عن عمرو بن حريش الزبيدي"! وهم! فإن كان هذا الكلام من إنشائه فهو غلط منه؛ لأنه لا وجود لعمرو بن دينار الدينوري في هذا الحديث؛ بل لا يوجد هذا الاسم في الرواة أصلاً! وكأن هذا محرّف عن: "عمرو بن حريش الزبيدي"، فتحرف في نسخته، أو من النساخ! والله أعلم وأحكم.

· كيف تعامل الألباني مع هذا الحديث؟

قال الألباني في ((إرواء الغليل)) (5/205): "حسنٌ. وله طريقان: الأولى: عن حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن مسلم بن جبير عن أبي سفيان عن عمرو بن حريش... هكذا أخرجه أبو داود وكذا الطحاوي والدارقطني والحاكم والبيهقي، وقال: "اختلفوا على محمد بن إسحاق في إسناده، وحماد بن سلمة أحسنهم سياقة له". قلت: وإسناده ضعيف، فيه عنعنة ابن إسحاق. ومسلم بن جبير، وعمرو بن حريش مجهولان كما في ((التقريب)). وقال ابن القطان: "هذا حديث ضعيف، مضطرب الإسناد". ثم فصّل القول في ذلك، وبين جهالة الرجلين، فراجع كلامه في نصب الراية (4/47)، وأورده ابن أبي حاتم في ((العلل)) (1/390) وتكلّم عليه بما لا يشفي.

ومن وجوه اضطرابه، رواية جرير بن حازم عن محمد بن إسحاق عن أبي سفيان عن مسلم ابن جبير عن عمرو بن الحريش... أخرجه الدارقطني وأحمد (2/171).

ووجه المخالفة فيه ظاهر، فإنه جعل الراوي عن ابن الحريش مسلم بن جبير بدل أبي سفيان في رواية حماد، والاضطراب من الراوي –وهو ابن إسحاق هنا- في الرواية مما يدل على أنه لم يضبطها ولم يحفظها، فهو ضعف في السند علاوة على جهالة الرجلين.

ومما سبق تعلم ما في قول الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم"! من البعد عن الصواب. ومن العجيب أن الذهبي وافقه على ذلك مع أنه قال في ترجمة مسلم بن جبير: "لا يُدرى من هو، تفرد عنه يزيد بن أبي حبيب". وفي ترجمة عمرو بن الحريش: "ما روى عنه سوى أبي سفيان، ولا يدرى من أبو سفيان أيضاً".

الطريق الأخرى: عن ابن جريج أن عمرو بن شعيب أخبره عن أبيه عن عبدالله بن عمرو بن العاص: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره...

أخرجه البيهقي والدارقطني وعنه (5/287-288) شاهداً للطريق الأولى، وذكر أنه شاهد صحيح. وأقره ابن التركماني في ((الجوهر النقي)) بل تأوله، ولم يتعقبه بشيء كما هي عادته! وأقرّه الحافظ في ((التلخيص))، وصرّح في ((الدراية)) (ص288) بأن إسناده قوي.

قلت: وهو حسن الإسناد، للخلاف المعروف في رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده". انتهى كلام الشيخ الألباني.

قلت: كلام الألباني في تخليطٌ عجيبٌ!!

1- جعل أحد أسباب ضعف الإسناد: عنعنة ابن إسحاق! وهذا غير صحيح! فإنّ أحداً لم يتكلم على عنعنته هنا. ومع ذلك فقد جاء التصريح منه بالسماع، بل وبتوثيق الرواة الذين جهّلهم ابن القطان وتبعه الألباني عليه. وقد سبق ذكر رواية الإمام أحمد من طريق ابن إسحاق، قال: حدثني أبو سفيان الحرشي -وكان ثقة فيما ذكر أهل بلاده- عن مسلم بن جبير مولى ثقيف -وكان مسلم رجلاً يؤخذ عنه، وقد أدرك وسمع- عن عمرو بن حريش.

2- تَبع الألباني ابن القطان في دعواه بأن هذا الحديث مضطرب، وجاء بأحد وجوه الاضطراب، وهذا إما نابع من جهلهما بمعنى الاضطراب، أو بأنه فاتهما الطرق الأخرى لهذا الحديث التي بينتها ونفيت الاضطراب عنه.

3- اعتماده في التصحيح والتضعيف على كتاب التقريب المختصر الذي لا يشفي في ذلك!

4- قوله إن ابن أبي حاتم أورده في العلل وتكلم عليه بما لا يشفي، غير دقيق! فابن أبي حاتم سأل أباه عن مسلم بن جبير وأبي سفيان الواردان في حديث حماد عن ابن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب، فأجابه بما يعرفه. فالكلام لأبي حاتم وليس لابنه، والجواب على قدر السؤال! فما الذي لا يشفي؟! ولم يتنبه الألباني لوهم أبي حاتم في جوابه كما بينته سابقاً.

5- وجه المخالفة الذي ذكره الألباني ظاهر؛ لأنه اعتمد على رواية جرير بن حازم في مقابل رواية حماد بن سلمة عن ابن إسحاق عن يزيد! ولكنه غفل عن الروايات الأخرى التي تبيّن أن الصواب هي رواية جرير ومن تابعه، وأن حماداً أخطأ فيه.

6- دعواه بأن الاضطراب من ابن إسحاق وأنه لم يضبط ولم يحفظ الرواية! مردود! فابن إسحاق قد ضبط وحفظ الرواية، والاختلاف من بعض الرواة عنه كحماد بن سلمة.

7- دعواه بأن مسلم بن جبير وعمرو بن حريش مجهولين مردودة! فقد وثّقوا مسلم ابن جبير، وعمرو بن حريش روايته مستقيمه وذكره ابن حبان في الثقات، وقد صرّح بأنه سأل عبدالله بن عمرو بن العاص.

8- دعواه بأن الذهبي وافق الحاكم لا تصح! فالذهبي لا يوافقه، وإنما يختصر كلامه فقط، وأحياناً يتعقبه بحسب ما يظهر له أثناء المطالعة والتلخيص، فلا نلزمه ما لا يلزم، وما نقله عن الذهبي في ترجمة مسلم بن جبير وعمرو بن حريش يدفع هذه الدعوى أنه إذا لم نجد تعقباً له للحاكم فإنه يوافقه، فهذه دعوى مردودة، لا دليل عليها.

9- عدم معرفة الذهبي لمسلم بن جبير وعمرو بن حريش لا تضر من عرفهما وقَبِل حديثهما، سيما والذهبي يعتمد على من قبله كالمزي ويختصر في كتبه، وقلّما يحرر التراجم.

10- حسّن الحديث برواية عمرو بن شعيب، مع أنه ضعّف إسناد الطريق الأولى، وهذا فيه ما فيه!

نعم، الحديث حسنٌ، والطريق الأولى إسنادها حسن، وليس بضعيف، ويقوي ذلك طريق عمرو بن شعيب، والحمد لله.

وكان الإمام أحمد يُعلل أحاديث منع بيع الحيوان بالحيوان نسئية كلّها، قال: "ليس فيها حديثٌ يُعتمد عليه، ويعجبني أن يتوقاه". (حاشية ابن القيم: 9/151).

وحديث عمرو بن حريش يجيز بيع الحيوان بالحيوان نسئية.

 

 

وكتب خالد الحايك.

15 ذو القعدة 1428هـ.

شاركنا تعليقك