الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

أمية بن مَخْشي الصحابي، وما يتعلّق بترجمته من الأوهام.

أمية بن مَخْشي الصحابي، وما يتعلّق بترجمته من الأوهام!

 

بقلم: أبي صهيب الحايك.

· حديث أمية ومخالفة عيسى بن يونس:

روى الإمام أحمد في ((المسند)) (4/336) عن علي بن عبدالله المديني. والنسائي في ((السنن الكبرى)) (4/174) و (6/78) عن عمرو بن عليّ. والطبراني في ((المعجم الكبير)) (1/291) من طريق مسدد. وأبو نعيم في ((المعرفة)) (1/299) من طريق محمد ابن خلاد الباهلي. كلّهم عن يحيى بن سعيد القطان، قال: حدثنا جابر بن صبح، قال: حدثني المثنى بن عبدالرحمن الخزاعي، وصحبته إلى واسط، وكان يسمي في أول طعامه وفي آخر لقمة يقول: بسم الله في أوله وآخره. فقلت له: إنك تُسمي في أول ما تأكل، أرأيت قولك في آخر ما تأكل: بسم الله أوله وآخره؟ قال: أُخبرك عن ذلك: إن جدّي أمية بن مخشي، وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سمعته يقول: إنّ رجلاً كان يأكل والنبي صلى الله عليه وسلم ينظر فلم يسم حتى كان في آخر طعامه لقمة فقال: بسم الله أوله وأخره. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما زال الشيطان يأكل معه حتى سمى. فلم يبق في بطنه شيء إلا قاءه)).

ورواه عيسى بن يونس عن جابر بن صبح وخالفهم! فقال: عن المثنى عن عمّه أمية. رواه ابن أبي عاصم في (( الآحاد والمثاني)) (4/281) عن عبدالرحمن بن مطرف أبي سفيان السروجي. وأبو داود في ((السنن)) (3/347) عن مؤمل بن الفضل الحراني. والطبراني في ((المعجم الكبير)) (1/291) من طريق علي بن بحر. كلّهم عن عيسى بن يونس عن جابر عن المثنى بن عبدالرحمن الخزاعي عن عمه أمية بن مخشي، وكان قد صحب النبيّ صلى الله عليه وسلم.

فخالف عيسى بن يونس الجماعة وجعل أمية عم المثنى، والصواب أنه جدّه. واعتمد بعض الأئمة رواية يونس فوهموا!

· وهمان لابن أبي حاتم:

قال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (2/500): "مثنى بن عبدالرحمن ابن مخشي ابن أخي أمية بن مخشي".

قلت: وهم هنا في موضعين:

الأول: أنه جعل المثنى ابن أخي أمية!

والثاني أنه نسبه: مثنى بن عبدالرحمن بن مخشي! اعتماداً على أنه ابن أخيه! وفيه نظر؛ لأنه جاء في رواية الطحاوي في ((مشكل الآثار)) (3/92) من طريق أبي معشر البراء يوسف بن يزيد عن جابر بن صبح، قال: حدثنا المثنى بن عبدالرحمن الخزاعي، وذلك حين مات الحجاج، عن جده أبي أمه أمية بن مخشي، واصطحبنا أربعة أشهر، وكان إذا وضع طعامه سمى... قلت: لم يا أبا عبدالله؟ الحديث.

فهو جدّه من قِبل أمه لا من قِبل أبيه.

وقال ابن عبدالبر في ((الاستيعاب)) (1/107): "أمية بن مخشي الخزاعي. له صحبة. ويكنى أبا عبدالله. روى عنه المثنى بن عبدالرحمن بن مخشي، وهو ابن أخيه. له حديث واحد في التسمية على الأكل".

وجمع المزي بينهما كعادته! فقال في ((تهذيب الكمال)) (3/340): "أمية بن مخشي الخزاعي أبو عبدالله المدني. له صحبة. عداده في أهل البصرة. وهو عمّ المثنى بن عبدالرحمن. ويقال: جده".

وقال في (27/207): "المثنى بن عبدالرحمن الخزاعي. كنيته أبو عبدالله. روى عن أمية بن مخشي الخزاعي، وهو عمه (د)، ويقال: جده (س)".

· وهم لابن ماكولا:

وقال ابن ماكولا في ((تهذيب مستمر الأوهام)) (ص320): "قال أبو الحسن الدارقطني: أمية بن مخشي، له صحبة. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم. روى حديثه جابر بن صبح عن المثنى بن عبدالرحمن عن عمّه أمية بن مخشي عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا وهم، وإنما أمية بن مخشي جدّ المثنى بن عبدالرحمن، لا عمّه. ورواه علي بن المديني عن يحيى بن سعيد وقال فيه أيضاً: أخبرك عن ذلك إن جدي أمية بن مخشي الحديث. وقد اتفق علي بن المديني والقواريري عن القطان على أنه جدّه، وذكره البخاري ولم يقل "عن جده"، بل قال: أمية بن مخشي الخزاعي الأزدي، قاله علي عن يحيى بن سعيد قال: حدثني جابر بن صبح: حدثني المثنى بن عبدالرحمن الخزاعي، وصحبته إلى واسط، حدثني أمية بن مخشي وله صحبة...ثم قال: مسدد حدثنا يحيى قال: مخش. قال مسدد: بعضهم يقول: مخشي".

· وهمان آخران!

وقد وقع بعض الأئمة في وهمين آخرين يتعلقان بهذه الترجمة:

الأول: أن بعضهم جعل أمية جدّ المثنى جده لأبيه! قال ابن ماكولا في ((الإكمال)) (7/176): "أمية بن مخشي. له صحبة ورواية عن النبي صلى الله عليه وسلم. روى عنه ابن ابنه المثنى بن عبدالرحمن بن أمية بن مخشي".

قلت: قد سبق أنه وقع في رواية الطحاوي أنه جده لأمه، ولم يأت في رواية أنه جده لأبيه، فهو ليس ابن ابنه، بل ابن بنته، والله أعلم.

الثاني: كنّى بعضهم أمية بأبي عبدالله كما سبق نقله عن ابن عبدالبر والمزي ومن تبعهما على ذلك! والصواب أن الذي كنيته ((أبو عبدالله)) هو المثنى حفيده كما جاء التصريح به في رواية الطحاوي السابقة. ولم أرَ في رواية أن أحداً كنّى أمية بهذا!

قال ابن حجر في ((التقريب)) (ص115): "أمية بن مخشي، بفتح الميم وسكون المعجمة وكسر الشين المعجمة بعدها ياء كياء النسب. صحابي، يكنى أبا عبدالله".

قلت: هذا خطأ تبع فيه غيره، فالذي كنيته أبو عبدالله هو ابن بنته المثنى.

· ترجمة أمية عند أهل العلم:

قال الإمام البخاري في ((التاريخ الكبير)) (2/6): "أمية بن مخشي الخزاعي الأزدي. قال لنا علي عن يحيى بن سعيد قال: حدثني جابر بن صبح قال: حدثني المثنى بن عبدالرحمن الخزاعي، وصحبته إلى واسط، قال: حدثني أمية بن مخشي، وله صحبة، قال: سمعته يقول: كان رجلٌ يأكل، والنبي عليه السلام ينظر إليه حتى كان في آخر طعامه لقمة، فقال: بسم الله أوله وآخره. فقال: ((ما زال الشيطان يأكل معه حتى سمي فما بقي في بطنه شيء إلا قاءه)). مسدد قال: حدثنا يحيى وقال: ((مخشي)). قال مسدد: وبعضهم يقول: ((مخشي)).

قلت: هكذا في مطبوع التاريخ! وأشار المحقق المعلمي في الهامش إلى أنه في نسخة: "وبعضهم قال: مخش". ثُم علّق على هذا فقال: "كأن هذه الرواية الثانية تقوله بتخفيف الياء ويجوز حينئذ إثباتها وحذفها كما في ((قاضي))".

قلت: الأمر عكس ما قاله المعلمي، والصواب هو: " مسدد قال: حدثنا يحيى وقال: مخش. قال مسدد: بعضهم يقول: مخشي".

ومَخَشّ بتشديد الشين من غير ياء، ومَخْشي بسكون الخاء وكسر الشين المخففة وبعدها ياء. (إكمال ابن ماكولا: 7/176).

وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (2/301): "أمية بن مخشي الخزاعي. له صحبة. روى عنه المثنى بن عبدالرحمن بن مخشي. سمعت أبي يقول ذلك".

قلت: نسبته للمثنى خطأ! وهذا الخطأ نتج لأنه عدّ المثنى ابن أخي أمية، وليس كذلك كما سبق بيانه.

وذكره ابن حبان في الصحابة من ((الثقات)) (3/15): "أمية بن مخشي الخزاعي الأزدي. له صحبة. حديثه عند المثنى بن عبدالرحمن الخزاعي".

وقال ابن حجر في ((الإصابة)) (1/119): "أمية بن مخشي الخزاعي، ويقال: الأزدي. صحب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم سكن البصرة واعقب بها، قاله ابن سعد. وقال البخاري وابن السكن: له صحبة، وحديث واحد. روى أبو داود والنسائي وأحمد والحاكم من طريق جابر بن صبح قال: حدثني المثنى بن عبدالرحمن... فذكر قصته. قال الدارقطني في ((الأفراد)): تفرد به جابر بن صبح. وقال البغوي: لا أعلم أمية روى إلا هذا الحديث".

· ترجمة المثنى بن عبدالرحمن الخزاعي:

قال البخاري في ((التاريخ الكبير)) (7/419): "مثنى بن عبدالرحمن أبو عبدالله الخزاعي عن أمية بن مخشي. روى عنه جابر بن صبح".

وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (8/326): "مثنى بن عبدالرحمن بن مخشي أبو عبدالله الخزاعي. روى عن عمّه أمية بن مخشي. روى عنه جابر بن صبح جد سليمان بن حرب أبو أمه. سمعت أبي يقول ذلك".

قلت: نسبته بأنه ابن مخشي فيه نظر كما سبق بيانه!

وقال مسلم بن الحجاج في ((الكنى والأسماء)) (1/476): "أبو عبدالله المثنى بن عبدالرحمن الخزاعي عن أمية بن مخش. روى عنه جابر بن صبح".

· وهم لابن حبان:

وذكره ابن حبان في التابعين من ((الثقات)) (5/443)، فقال: "المثنى بن عبدالرحمن أبو عبدالله الخزاعي. يروي عن أمية ابن مخشي الخزاعي، له صحبة. روى عنه جابر بن صبح". ثُمّ أعاده في أتباع التابعين (7/503)، فقال: "مثنى بن عبدالرحمن أبو عبدالله الخزاعي. يروي عن أمية بن مخشي. روى عنه جابر بن صبح".

قلت: هو من التابعين بلا شك، وإيراده في أتباع التابعين خطأ.

وقال أبو الحسن بن البراء: سُئِلَ عنه علي بن المديني؟ فقال: "مجهولٌ، لم يرو عنه غير جابر بن صبح". (تهذيب الكمال: 27/208).

وقال الذهبي في ((الكاشف)) (2/239): "مجهول". وقال في ((الميزان)) (6/20): "المثنى بن عبدالرحمن (د س) الخزاعي عن عمّه أمية بن مخشي. لا يُعرف. تفرد عنه جابر ابن صبح. قال ابن المديني: "مجهول".

قلت: جابر بن صبح الراوي عن المثنى ثقة، وقد صحبه في سفره، وجد المثنى صحابي، وحديثه حسن، وله شواهد من حديث عائشة وابن مسعود وغيرهما. والظاهر أنه صدوق. وتجهيل ابن المديني له عنى به أنه ليس بمشهور في الرواية عند أهل العلم، ولهذا أطلق عليه ابن حجر قول "مستور".

وقد أخطأ صاحبا التحرير بتعقبهما ابن حجر بقولهما في ((التحرير)) (3/346): "بل: مجهول، تفرد بالرواية عنه جابر بن صبح، وذكره ابن حبان وحده في الثقات، وجهله ابن المديني والذهبي".

قلت: كيف يكون مجهولاً، وقد أخبر جابر بن صبح بأنه صحبه في سفره أربعة أشهر؟! فعينه معروفة. وأما قول ابن المديني فبيناه. وأما قول الذهبي فإنه –رحمه الله- فإنه نقل فيه قول ابن المديني، وقد بينا ما يقصده ابن المديني من إطلاق ذلك.

فالحديث حسنٌ. قال الحاكم في ((المستدرك)) (4/121): "هذا حديثٌ صحيحُ الإسناد، ولم يخرجاه".

وقال الدارقطني (كما في أطراف الأفراد: 1/401): "لم يسند أمية عن النبيّ غير هذا الحديث. تفرد به جابر بن الصبح عن المثنى بن عبدالرحمن الخزاعي عن جده أمية".

· تعقّب على الشيخ الألباني:

أورد الألباني هذا الحديث في ((إرواء الغليل)) (7/26) وقال: "أخرجه أبو داود، والنسائي في الكبرى، والطحاوي في مشكل الآثار، وابن السني في عمل اليوم والليلة، والحاكم، وأحمد، وابن سعد في الطبقات، والطبراني في المعجم الكبير، والضياء المقدسي في المختارة، كلّهم من طريق جابر بن صبح: ثنا المثنى بن عبدالرحمن الخزاعي عن عمه أمية بن مخشي به. وقال الحاكم: ((صحيح الإسناد)). ووافقه الذهبي!! قلت: وليس كما قالا، فإن المثنى هذا أورده الذهبي نفسه في الميزان وقال: "لا يعرف، تفرد عنه جابر بن صبح، قال ابن المديني: مجهول. ولهذا قال الحافظ في التقريب: مستور". انتهى كلام الشيخ.

قلت: على كلامه ملحوظات:

1- تخريجه الحديث بهذا الأسلوب خطأ! لأنه لم يأت في كل هذه المواضع التي ذكرها: "عن عمّه أمية"! وإنما جاء ذلك في رواية عيسى بن يونس عن جابر عند أبي داود والطبراني، وباقي المواضع جاء فيها: "عن جده"، وهو الصواب كما سبق بيانه.

2- قوله بأن الذهبي وافق الحاكم في حكمه لا يصح؛ لأن الذهبي يلخص كلام الحاكم فقط. وإسناده عند الحاكم صحيح، وهذا يعني أن المثنى ثقة عنده.

3- استدلاله بقول ابن المديني على تجهيل المثنى فيه نظر؛ لأن الشيخ لا يعرف مدلول كلمة "مجهول" عند ابن المديني، ولا كذلك مدلول كلمة "مستور" عند ابن حجر! وقد بينت ذلك كما سبق ولله الحمد.

· ترجمة جابر بن صُبْح الراسبيّ:

قال البخاري في ((التاريخ الكبير)) (2/207): "جابر بن صبح أبو بشر الراسبي البصري: سمع منه يحيى بن سعيد القطان ويوسف البراء. وقال يحيى: جابر أحبّ إليّ من المهلب ابن أبي حبيبة".

قلت: والمهلب ثقة.

قال مسلم بن الحجاج في ((الكنى والأسماء)) (1/142): "أبو بشر جابر بن صبح الراسبي. روى عنه يحيى القطان ويوسف البراء".

وذكره ابن حبان في ((الثقات)) (6/142) فقال: "جابر بن صبح الراسبي -من أهل البصرة- كنيته أبو بشر. روى عنه يوسف بن يزيد البراء ويحيى القطان".

وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (2/500): "جابر بن صبح أبو بشر الراسبي، هو جد سليمان بن حرب أبو أمه. روى عن أميه بن عبدالرحمن بن مخشي مرسلاً، وعن مثنى بن عبدالرحمن بن مخشي بن أخى أمية بن مخشي عن أمية بن مخشي، وخلاس، وعبيدالله بن أبى جروة. روى عنه شعبة، وأبو معشر يوسف بن يزيد البراء، ويحيى بن سعيد، وعيسى بن يونس. سمعت أبي يقول ذلك. قال عبدالرحمن: ذكره أبي عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين قال: جابر بن صبح ثقة".

· تعقّب المزي لابن أبي حاتم:

قال المزي في ((تهذيب الكمال)) في ترجمة (جابر بن صبح الراسبي) (4/442): "وذكر ابن أبي حاتم عن أبيه في مشايخه: أمية بن عبدالرحمن بن مخشي، ولم يذكر المثنى بن عبدالرحمن! والمعروف المثنى بن عبد الرحمن (د س) عن عمّه أمية بن مخشي، ولا نعلم في الرواة أحداً اسمه أمية بن عبدالرحمن بن مخشي، والله أعلم".

قلت: الذي في مطبوع ((الجرح والتعديل)): "روى عن أميه بن عبدالرحمن بن مخشي [مرسلاً، وعن مثنى بن عبدالرحمن بن مخشي بن أخى أمية بن مخشي عن أمية بن مخشي]".

وأشار المحقق المعلمي –رحمه الله- إلى أن ما بين الحاجزين موجود في نسخة دار الكتب المصرية التي رمز لها بالرمز (م). وبناءً على هذا فيكون ابن أبي حاتم ذكر المثنى بن عبدالرحمن، ولكن ذلك وقع في بعض النسخ، والنسخة التي وقعت للمزي فيها هذا السقط الموجود في النسخ الأخرى.

وقول ابن أبي حاتم عن أبيه: "روى عن أمية بن عبدالرحمن بن مخشي مرسلاً" فيه نظر! وهو كما قال المزي: لا يوجد في الرواة من اسمه أمية بن عبدالرحمن بن مخشي. وكأن الذي حدث هو أنه وقع في إسناد بعض النسخ التي اعتمدها أبو حاتم: "عن جابر ابن صبح عن أمية بن عبدالرحمن بن مخشي عن النبي صلى الله عليه وسلم" وهذا الإسناد بهذه الصورة مرسل كما قال، ولكنه خطأ نتج عن تحريف في بعض النسخ، والله أعلم.

· تضعيف الأزديّ لجابر بن صبح!

ذكر الحافظ ابن كثير حديثه هذا في ((تفسيره)) (2/19) ثُمّ قال: "وثقه ابن معين والنسائي. وقال أبو الفتح الأزدي: لا تقوم به حجة".

وقال ابن حجر في ((تهذيب التهذيب)) (2/36): "وقال الأزدي: لا يقوم بحديثه حجة".

قلت: كأن ابن حجر تبع ابن كثير في هذا النقل، فإني لم أجده في مكان! وقد ردّ بعض المعاصرين هذا القول من الأزدي لما تكُلّم فيه وأنه يسرف في الجرح! نعم هذا القول في جابر بن صبح مردود، وهو ثقة، ولكن هل قال الأزدي هذا الكلام فيه؟! فربما أخطأ ابن كثير في النقل عن الأزدي! ويؤيد هذا أنه من عادة ابن الجوزي أنه لا يخلي كتابه في الضعفاء من أقوال الأزدي؛ لأن كتاب الأزدي في الضعفاء وقع له، وما أظنه وقع لابن كثير ومن بعده كما حققته في رسالتي عن الأزدي.

فإن ثبت الكلام عن الأزدي فربما قاله في آخر ليس في هذا، فالله أعلم. والأزدي ليس بضعيف، بل هو صدوق، وكلامه في الرّجال منه ما هو مقبول ومنه ما هو مردود كغيره من النقّاد.

· وهمان لابن قانع في هذا الحديث!

روى ابن قانع في ((معجم الصحابة)) في ترجمة الصحابي (أمية بن مخشي الخزاعي) (1/48) قال: حدثنا علي بن محمد، قال: حدثنا مُسدد، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن جابر بن صبح. [ح] وحدثنا أحمد بن سهل بن أيوب الاهوازي، قال: حدثنا علي بن بحر، قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن جابر، قال: حدثنى المثنى بن عبدالرحمن الخزاعي، عن أبيه، عن جدّه أميه بن مخشي، الحديث.

قلت: أخطأ ابن قانع في هذا الحديث في موضعين:

1- في جمعه بين الإسنادين! فإن رواية عيسى بن يونس عن جابر عن المثنى بن عبدالرحمن عن عمّه أمية. وقد وقع في الرواية الأخرى وهم، فحمل الرواية الأولى على الثانية فأخطأ.

2- قي زيادته: "عن أبيه"، في رواية مسدد! والمحفوظ عن المثنى عن جدّه. وقد نبه على ذلك ابن حجر، فقال في ((تهذيب التهذيب)) (1/326): "لكن رواه ابن قانع في ((معجمه)) من طريق مسدد أيضاً عن يحيى عن جابر بن صبح عن المثنى بن عبدالرحمن عن أبيه عن جده أمية بن مخشي. هكذا زاد فيه "عن أبيه"، وهو وهم. وتابعه عنده عيسى بن يونس عن جابر بن صبح، وهو وهم أيضاً، فقد رواه أبو داود وابن أبي عاصم وغيرهما من طريق عيسى بن يونس عن جابر عن المثنى عن أمية ليس بينهما أحد، والله أعلم".

قلت: لم يُتابعه عيسى بزيادة "عن أبيه"، وإنما أخطأ ابن قانع في جمعه بين الإسنادين كما سبق بيانه.

 

والحمد لله رب العالمين.

شاركنا تعليقك