الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

المتفق والمفترق/ سَلْم بن عطية ومُسلم بن عطية.

المتفق والمفترق/ سَلْم بن عطية ومُسلم بن عطية.

 

بقلم: أبي صهيب الحايك.

 

قال عبّاس الدُّوري (تاريخ ابن معين: 3/355): سمعت يحيى يقول: "سَلْمُ بنُ عطية الفُقَيميّ: كوفيّ. يروي عنه ليث بن أبي سليم ومحمد بن قيس الأسدي. ويروي سلم بن عطية عن شريح".

وقال الإمام البخاري في ((التاريخ الكبير)) (4/157): "سلم بن عطية عن أبي الهذيل. روى عنه ليث ومحمد بن قيس الأسدي. ويروي مراسيل. حدثنا موسى: حدثنا أبو شهاب، عن العلاء بن المسيب، عن سلم بن عطية، عن مجاهد قوله".

ثُمّ قال: "سَلْم سمع عبدالله بن أبي الهذيل. سمع منه شعبة. رجلٌ من الموالي، كأنه هو ابن عطية الكوفي. قال لي أبو كريب: حدثنا زيد، عن شعبة، عن سلم بن عطية. وقال عفان عن شعبة: كان حسن السمت برا فيه (؟) من أهل الكوفة. ويُقال: عن عاصم عن سلم بن عطية، فلا [أدري] هو ذا أم لا؟".

قلت: تردد البخاري فيه؛ لأن الأول الذي ذكره فيه كلام! والثاني روى عنه شعبة ومدحه! فكأنه من أجل ذلك فرّق بينهما مع احتمال أنهما واحد! والصواب –والله أعلم- أنهما واحد كما ذهب أبو حاتم الرازي، وغيره.

قال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (4/265): "سلم بن عطية الفقيمي، كوفي. روى عن عطاء بن أبي رباح وطاوس وعبدالله بن أبى الهذيل وجدّته. روى عنه ليث بن أبي سليم ومحمد بن قيس ومسعر وشعبة وبدر بن الخليل الأسدي. سمعت أبي يقول ذلك. سألت أبي عنه؟ فقال: "شيخ، يُكتب حديثه".

وذكره ابن حبان في ((الثقات)) (6/419) فقال: "سلم بن عطية، من أهل الكوفة. يروي عن مجاهد وعبدالله بن أبي الهذيل. روى عنه محمد بن قيس الأسدي وشعبة".

· وهم وتناقض لابن حبان! ووهم لأبي حاتم!

قال ابن حبان في ((الثقات)) (7/444): "مسلم بن عطية الفقيمي: يروي عن عطاء ابن أبي رباح. روى عنه بدر بن الخليل".

ثُم تناقض فذكره في ((المجروحين)) (3/8) فقال: "مسلم بن عطية الفقيمي: شيخٌ يروي عن عطاء بن أبي رباح. روى عنه بدر بن الخليل الأسدي. منكر الحديث! ينفرد عن عطاء وغيره من الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات. إذا نظر المتبحر في روايته عن الثقات علم أنها معمولة. روى عن عطاء عن ابن عمر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ((إنّ من حقّ جلال الله على العبد إكرام ذي الشيبة المسلم، ورعاية القرآن لمن استرعاه إياه، وطاعة الإمام القاسط))".

قلت: وقع في إسناد ابن حبان ((مسلم بن عطية)) فذكره في (باب مسلم)، وهو وهم، والصواب في الإسناد ((سلم بن عطية))، ولهذا ذكر أبو حاتم في الرواة عن سلم: بدر بن خليل كما سبق، وفيه نظر!!

وكلام ابن حبان فيه مبالغة شديدة! فإن مسلماً هذا الذي ذكره لا يوجد له إلا هذا الحديث! فكيف ينفرد عن عطاء وغيره من الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات، إذا نظر المتبحر في روايته عن الثقات علم أنها معمولة؟! أين هذه الروايات؟!!

وهذا الحديث تفرّد به عبدالعزيز بن يحيى! ولم يُتابع عليه! ومن ضعّف سلم إنما ضعفّه بسبب هذا الحديث، ولم يثبت أنه رواه حتى تكون العهدة عليه!

قال الإمام البخاري في ((التاريخ الكبير)) (6/19): "عبدالعزيز بن يحيى أبو الأصبغ الحراني. قال عبدالعزيز بن يحيى: حدثنا عيسى بن يونس، عن بدر بن خليل الكوفي الأسدي، عن سلم بن عطية، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- سمعت النبي صلى الله عليه وسلم: ((من إجلال الله على العباد إكرام ذي الشيب المسلم، وريحانة القرآن لمن استرعاه الله إياه، وطاعة الإمام القاسط)).

قال البخاري: "لا يُتابع عليه".

وذكره البخاري في ((الضعفاء الكبير)) كما في ((ميزان الاعتدال)) (4/376). قال الذهبي: "قلت: في إسناده سلم ضعيف. وقد رواه العقيلي عن علي بن الحسن الرازي: حدثنا أبو الإصبغ. وقال أبو عروبة: عبدالعزيز بن يحيى بن يوسف مولى بني البكاء أبو الإصبغ قد رأيته يصبغ رأسه ولحيته، مات سنة خمس وثلاثين ومئتين. وقال ابن عدي في ((الكامل)): لا بأس برواياته".

قال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (5/399): "عبدالعزيز بن يحيى بن يوسف أبو الاصبغ الحراني: روى عن محمد بن سلمة وعتاب بن بشير والوليد بن مسلم وعيسى ابن يونس وأبي إسحاق الفزاري. سمعت أبي يقول ذلك". قال أبو محمد: "روى عنه أبي وأبو زرعة. سُئِل أبي عنه؟ فقال: صدوق".

قلت: أصوب الأقوال فيه ما قاله ابن حجر في ((التقريب)) (ص359): "صدوق ربما وهم".

فكأنه - رحمه الله - وهم في إسناده؛ لأن الحديث يُروى من طريقٍ آخر.

أخرجه البيهقي في ((شعب الإيمان)) (2/551) من طريق أبي سعيد ابن الأعرابي، عن إبراهيم بن أبيّ العنبسي القاضي، عن حسين بن حماد الدباغ الطائي، عن الحجاج بن أرطاة، عن نافع، عن ابن عمر قال: ((إن من أعظم إ جلال الله عز وجل: إكرام الإمام المقسط، وذي الشيبة في الإسلام، وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجاني عنه)). وهذا موقوف على ابن عمر.

قلت: وهذا إسنادٌ غريب! حسين الدباغ لم أعرفه! والحجاج ضعيف. وقد صحّ الحديث من قول أبي موسى الأشعري. أخرجه ابن أبي شيبة في ((مصنفه)) (4/440) عن معاذ بن معاذ. وابن المبارك في ((الزهد)) (ص131). والبيهقي في ((المدخل إلى السنن)) (ص381) من طريق روح. ثلاثتهم عن عوف بن أبي جميلة، عن زياد بن مخراق، عن أبي كنانة، عن أبي موسى، قال: ((من إجلال الله: إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط)).

· وهم لابن حمران!

وخالفهم عبدالله بن حمران الحمراني فرقعه. أخرجه البزار في ((مسنده)) (8/74)، وأبو داود في ((السنن)) (4/261) كلاهما عن عن إسحاق بن إبراهيم الصواف، قال: أخبرنا عبدالله بن حمران، قال: أخبرنا عوف، عن زياد بن مخراق، عن أبي كنانة، عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال البزار: "رفعه عبدالله بن حمران، وغير عبدالله لا يرفعه".

قلت: وهم ابن حمران في رفعه، والصواب أنه موقوف على أبي موسى. وقد روى الحارث بن أبي أسامة (كما في زوائدالهيثمي: 2/739) من طريق حماد بن سلمة، عن قتادة: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ((من تعظيم جلال الله: إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن، وإمام العدل)).

وهذا مرسلٌ ضعيفٌ.

· عدم تنبه الشيخ الألباني لعلة حديث أبي داود!

قال الشيخ الألباني في ((السلسلة الضعيفة)) رقم (3249) (ص247): "ومنها حديث أبي موسى الأشعري مرفوعاً... أخرجه أبو داود وغيره، وإسناده حسنٌ عندي؛ كما في ((المشكاة)) وغيره". وصححه في ((صحيح أبي داود))، وفي ((صحيح الجامع))، و ((صحيح الترغيب)).

قلت: إسناد أبي داود عن عبدالله بن حمران لا يصح! فقد وهم ابن حمران في رفعه، والصواب وقفه كما سبق بيانه.

وعلى أيّ حال فإن تفرد عبدالعزيز بن يحيى الحراني بالحديث السابق لا يُحتمل، وقد وهم فيه! ولا يصح قول أبي حاتم في أن بدر بن خليل روى عن سلم، ولا أن سلم روى عن عطاء! لأن ذلك لم يأت إلا في هذا الإسناد، ولا يصح. ومن هنا تظهر عبقرية الإمام البخاري في عدم ذكره ذلك في ترجمة سلم، وتنبيهه في ترجمة عبدالعزيز بأنه لم يتابع على حديثه هذا.

· فائدة:

عبدالعزيز بن يحيى الحراني من شيوخ البخاري. قال ابن حجر في ((تهذيب التهذيب)) (6/322): "ذكر عبدالغني أنّ البخاري روى عنه في ((كتاب الضعفاء)) ووهمه المزي في ذلك بلا حجة! وقد قال البخاري في ((الضعفاء)): قال لي عبدالعزيز بن يحيى. وهذا يدلُّ على أنه لقيه".

· ترجمة المتأخرين لسلم بن عطية:

قال ابن الجوزي في ((الضعفاء والمتروكين)) (2/9): "سلم بن عطية الفقيمي. كذا ذكره الدارقطني. وقال ابن حبان: هو مسلم بن عطية، ينفرد عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات إذا نظر المتبحر في روايته عن الثقات علم أنها معمولة".

قلت: فرّق ابن حبان بينهما، فترجم لسلم بن عطية، ولمسلم بن عطية كما سبق.

· تعقب مغلطاي المزي والرد عليه.

وقال المزي في ((تهذيب الكمال)) (11/230): "سلم بن عطية الفقيمي مولاهم الكوفي. روى عن الحسن البصري، وطاووس بن كيسان، وعبدالله بن أبي الهذيل (س)، وعطاء بن أبي رباح، وجدته. روى عنه بدر بن الخليل الأسدي الكوفي، وشعبة بن الحجاج (س)، وليث بن أبي سليم، ومحمد بن طلحة بن مصرِّف، ومحمد بن قيس الأسَديّ، ومسعر بن كِدام. ذكره ابن حبان في الثقات". وساق له المزي الحديث الذي رواه له النسائي من طريق شعبة، عن سلم، عن عبدالله بن أبي الهذيل، قال: حدثني صاحبٌ لي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((تبّاً للذهب والفضّة)).

وتعقبه مغلطاي في ((الإكمال)) (5/431)، فقال: "وفي كتاب المجروحين لابن حبان: مسلم بن عطية الفقيمي... وقال في الثقات: سلم بن عطية، من أهل الكوفة، يروي عن مجاهد وعبدالله بن أبي الهذيل. روى عنه محمد بن قيس وشعبة. فغرَّ المزي ذلك من قول ابن حبان في حرف السين فزعم أن الفقيمي ذكره في الثقات، وليس في كتابه إلا ما أنبأتك به".

قلت: بل في كتابه ما غفلت عنه أنت! فإنه قال قال ابن حبان في ((الثقات)) (7/444): "مسلم بن عطية الفقيمي: يروي عن عطاء ابن أبي رباح. روى عنه بدر بن الخليل". وهو غير سلم بن عطية الذي يروي عنه شعبة.

وقال الذهبي في ((الميزان)) (3/265): "سلم بن عطية ( س)، ويُقال: مسلم بن عطية. وهكذا سماه ابن حبان. روى عن عطاء. وعنه بدر بن الخليل الأسدي وشعبة. قال ابن حبان: منكر الحديث جداً، ثُم ذكر له حديثاً.

وقال في ((الميزان)) (6/418) أيضاً: "مسلم بن عطية الفقيمي عن عطاء. ليّن. وقيل: اسمه مسلم. روى عنه بدر بن الخليل حديثه في إكرام ذي الشيبة المسلم".

وقال في ((المغني في الضعفاء)) (1/273)، وفي ((ديوان الضعفاء والمتروكين)) (1/341): "سلم بن عطية، وقيل: مسلم بن عطية. وهاه ابن حبان".

وقال في ((الكاشف)) (1/451): "سلم بن عطية الكوفي عن طاوس وعطاء. وعنه شعبة ومحمد بن طلحة. ليس بالقوي".

قلت: الذي وهّاه ابن حبان هو مسلم بن عطية الفقيمي؛ لأنه فرّق بينه وبين سلم بن عطية. فلا يجوز أن ننسب لابن حبان أنه وهّن سلم بن قتيبة. بل إن مسلم بن عطية هو خطأ في الإسناد؛ ولم يتنبه ابن حبان له.

وقال ابن حجر في ((تهذيب التهذيب)) (4/116): "فرّق ابن حبان بين سلم بن عطية الراوي عن عبدالله بن أبي الهذيل ومجاهد وعنه شعبة ومحمد بن قيس فذكره في الثقات، وبين مسلم بن عطية الفقيمي، روى عن عطاء بن أبي رباح وعنه بدر بن الخليل الأسدي فذكره في الضعفاء، وزاد في أوله ميماً، وقال: منكر الحديث جداً، ينفرد عن عطاء وغيره من الثقات بما لا يشبه حديث الاثبات إذا نظر المتجر في روايته عن الثقات علم أنها معمولة".

قلت: فات ابن حجر أن ابن حبان ذكر مسلم بن عطية في الثقات أيضاً؛ ثُم ذكره في الضعفاء!

وقال ابن حجر في ((التقريب)) (ص246): "سلم بن عطية الفقيمي، بالفاء والقاف مُصغر، الكوفي: ليّن الحديث، من السادسة. س".

قلت: هو عندي صدوقٌ إن شاء الله، وكأن تليينه جاء من الخلط بينه وبين الذي ذكره ابن حبان في المجروحين، وحديثه لا يصح.

· تعقيب على كلام المعلمي اليماني على حديث سلم عن عطاء:

سبق ذكر الحديث الذي رواه البخاري في ترجمة ((عبدالعزيز بن يحيى الحراني))، وجاء في المطبوع من ((التاريخ الكبير)) (6/19): ((... وريحانة القرآن لمن استرعاه الله إياه...)).

قال المعلمي –رحمه الله- في الهامش حول (ريحانة القرآن): "لعله سقط لفظ ((حامل)) من الأصل. وقال حول (لمن): "كذا في الأصل، والظاهر أن بعض العبارة سقط قبل قوله ((لمن))، والله أعلم". ثُم ذكر في الصفحة التالية رواية البخاري للحديث في ((الأدب المفرد)) وفيه: ((وحامل القرآن غير الغالي فيه)). قال المعلمي: "وفي الأصل: وريحانة القرآن، مكان حامل القرآن. ولعل ((ريحانة)) كانت نسخة على عطية بهامش الأصل، فأدخلها الناسخ في الأصل هنا ظناً منه أنه من تروك الأصل فأخطأ من جهتين في تعيينه وإدخاله في المتن؛ وفي تهذيب التهذيب (6/362): ... وقال العقيلي: يعني حديث بدر بن خليل عن سلم بن ريحانة عن عطاء عن ابن عمر في إكرام ذي الشيبة. قلت: وسلم بن ريحانة لم نجده إلا أن يكون لقباً لعطية ولم يذكره أحد". انتهى كلامه.

قلت:

1- الأصل في رواية البخاري في ((التاريخ الكبير)): ((رعاية القرآن)) كما جاء في رواية ابن حبان للحديث في ((المجروحين)) (3/8). ويؤيد ذلك أنه جاء بعدها: ((لمن استرعاه))، وهذا يتفق مع رعاية. فلا داعي لاحتمال السقط الذي قاله المعلمي –رحمه الله-.

2- ادعاء إدخال الناسخ ما على هامش الأصل في المتن وخطأه الذي ادعاه المعلمي فيه نظر! لأن المعلمي خلط بين الرواية التي جاءت عن عطاء عن ابن عمر وفيها: ((ورعاية القرآن لمن استرعاه الله إياه)). وبين الرواية التي أخرجها البخاري في ((الأدب المفرد)) من حديث أبي موسى، وفيها: ((وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه)). فاحتمال أنها كانت على هامش النسخة ((ريحانة)) وأدخلها الناسخ في المتن لا يستقيم! والصواب أنها: ((رعاية القرآن)) فكأنها تصحفت في نسخة تاريخ البخاري! أو أن المعلمي قرأها ريحانة، فأخطأ في قراءتها.

3- وأما ما جاء في مطبوع تهذيب التهذيب: ((سلم بن ريحانة)) فهو خطأ! والصواب: ((سلم بن عطية))، وهذا واضح في الروايات. وما كان ينبغي للمعلمي التسليم بما في المطبوع وكأنه شخصية موجودة، وفرضه أنه قد يكون لقباً لعطية! ثًم إنه لا يخفى على من طالع المطبوع الذي أشار إليه المعلمي من التهذيب كثرة التصحيفات والتحريفات فيه!

 

وكتب خالد بن محمود الحايك.

1429هـ.

شاركنا تعليقك