الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

المتفق والمفترق/ «زياد بن سِيمين كوش»، و«زياد الأعجم».

المتفق والمفترق/ «زياد بن سِيمين كوش»، و«زياد الأعجم».

 

روى أبو بكر ابن أبي شيبة في «مصنفه» (21/31) (38274) قال: حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بنُ إدْرِيسَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَاوُوسٍ، عَنْ زِيَاد بن سِمِيْنْ كُوشْ الْيَمَانِيَّ، عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: «تَكُونُ فِتْنَةٌ، أَوْ فِتَنٌ تَسْتَنْظِفُ الْعَرَبَ، قَتْلاَهَا فِي النَّارِ، اللِّسَانُ فِيهَا أَشَدُّ مِنْ وَقْعِ السَّيْفِ».

هكذا رواه موقوفاً.

وأخرجه الترمذي في «جامعه» (4/43) (2178)، وابن ماجه في «سننه» (5/112) (3967) عن عَبْداللهِ بن مُعَاوِيَةَ الجُمَحِيّ.

وأحمد في «مسنده» (11/562) (6980) عن أسود بن عامر.

والطبراني في «المعجم الكبير» [جـ 13، 14 (ص: 485) (14354)] عن أبي مسلم الكَشِّي، وعلي بن عبدالعزيز البغوي. وابن بَطة في «الإبانة الكبرى» (2/598) (767) من طريق يَعْقُوب الدَّوْرَقِيّ، وأَبي رُوَيْقٍ الضَّبِّيّ. أربعتهم عن حَجَّاج بن المِنْهَالِ.

ثلاثتهم (عبدالله، وأسود، وحجاج) عن حَمَّاد بن سَلَمَةَ.

وأخرجه أبو داود في «سننه» (6/322) (4265) عن مُحَمَّد بْن عُبَيد بْنِ حِسَابٍ، عن حماد بن زيد.

كلاهما (حماد بن سلمة، وحماد بن زيد) عَنْ لَيْث بن أبي سُليم، عَنْ طَاوُوسٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ سِيْمِينَ كُوْشَ، عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَكُونُ فِتْنَةٌ تَسْتَنْظِفُ العَرَبُ قَتْلاَهَا فِي النَّارِ، اللِّسَانُ فِيهَا أَشَدُّ مِنَ السَّيْفِ».

في رواية أبي داود: عن طاوس، عن رجل يُقال له زياد.

قال أبو داود: "رواه الثوريُّ عن ليثِ، عن طاووسٍ، عن الأعجَمِ".

ثم قال: حدَّثنا محمدُ بنُ عيسى بنِ الطَّبَّاع، قال: حدَّثنا عبدُالله بنُ عبدِ القُدُّوسِ، قال: زِيادٌ: سِيمين كوش.

قال ابن العبد في روايته: "إنما هو زياد الأعجمي".

وقال الترمذي: "هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ يَقُولُ: لاَ يُعْرَفُ لِزِيَادِ بْنِ سِيْمِينَ كُوْشَ غَيْرُ هَذَا الحَدِيثِ، رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ لَيْثٍ فَرَفَعَهُ، وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ لَيْثٍ فَأَوْقَفَهُ".

وكذا عرض للاختلاف في هذا بين حماد بن سلمة، وحماد بن زيد في «التاريخ الكبير» (3/356) ورجّح الوقف.

قلت: رواية أبي داود من حديث حماد بن زيد مرفوعة كما تقدم، فلعل غير محمد بن عبيد رواه عن حماد بن زيد موقوفاً.

ورواه ابن المظفر في «حديث شعبة» (71) من طريق نَصْر بن حمّاد، قَالَ: حدثَنَا شُعْبَة، عَن عَبْدِاللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ الأَوْدِيِّ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ زِيَادٍ السَّكُونِيِّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: «الْفِتَنُ تَسْتَنْظِفُ الْعَرَبَ يَكُونُ اللِّسَانُ فِيهَا أَشَدَّ مِنْ وَقْعِ السَّيْفِ».

قال ابن المظفر: "رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ لَيْثٍ مَرْفُوعًا".

قلت: هذا الحديث لم يروه شعبة! ونصر بن حماد كذاب ليس بثقة، كان يضع الحديث على شعبة.

ورواه الداني في «السنن الواردة في الفتن» (2/443) (169) من طريق نَصْر بنِ مَرْزُوقٍ، عن عَلِيّ بن مَعَبْدٍ الرَّقيّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الخَصِيبُ بنُ نَاصِحٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَكُونُ فِتْنَةٌ وَقْعُ اللِّسَانِ فِيهَا أَشَدُّ مِنَ السَّيْفِ». مرسلاً.

والحديث يدور على ليث بن أبي سليم، وكأنه وهو ضعيف لا يُحتج به، وكأنه كان يضطرب فيه! أحياناً يرفعه، وأحياناً يقفه، وأحياناً يرسله!

وزياد لا تعرف حاله، ولم يرو عنه سوى طاوس، تفرد بذكر ذلك ليث بن أبي سُليم، والأصح في الحديث الوقف كما رجّحه البخاري، وستأتي رواية أخرى له تجعله مستور الحال، والله أعلم.

·       اختلاف أهل العلم في زياد هذا!

وزياد هذا اختلف فيه العلماء على قولين:

فالقول الأول: أنه «زياد بن سيمين كوش»، ويقال: سيمين كوش، وهو: زياد بن سُليم، ويقال: ابن سليمان، ويقال: ابن سَلمى العبدي اليماني، أبو أمامة المعروف بزياد الأعجم، لعجمة كانت في لسانه.

وهذا قول المزي في «تهذيب الكمال» (9/476) (2049)، والذهبي في «سير أعلام النبلاء» (4/597).

قال الذهبي: "زياد الأعجم: من فحول الشعراء، وهو أبو أمامة: زياد بن سليم العبدي مولاهم. وكان في لسانه عجمة. روى عن أبي موسى الأشعري، وشهد معه فتح إصطخر. وعن عبدالله بن عمرو، وحديثه في السنن. روى عنه طاووس، وهشام بن قحذم، وأخوه المحبر بن قحذم. امتدح عبدالله بن جعفر، ورثى المهلب، وله وفادة على هشام بن عبدالملك. خرّج له أبو داود والترمذي وابن ماجه، والله أعلم".

وقال ابن حجر في «تقريب التهذيب» (ص219): "زياد بن سليم العبدي مولاهم أبو أمامة المعروف بالأعجم الشاعر. مقبول من الثالثة".

وقال في «نزهة الألباب في الألقاب» (1/385): "سيمينكوش هو زياد الأعجم تابعي، ويقال له سيماكوش وسماكوش".

ثم تغيّر رأي الحافظ في هذا كما سيأتي إن شاء الله.

والقول الثاني: التفرقة بين زياد سيمين كوش - ومعناه بالفارسية: أبيض الأذن- راوي هذا الحديث، وبين زياد الأعجم الشاعر.

وأشار المعلمي في تحقيقه لتاريخ البخاري أنه في هامش الأصل: "يعني: أذنه من فضة". قال المعلمي: "وبيانه أنه بالفارسية يقال للفضة «سيم»، ويُقال في النسبة إليها «سيمين»، ويقال للأذن «گوش» بكاف فارسية بعدها واو مبهمة ثم شين، فقوله «سيمين كوش» معناه: أذن فضية".

والتفرقة بينهما هو قول الأئمة المتقدمين كالبخاري، ومسلم، وأبو حاتم، وابنه، وغيرهم.

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (3/356) (1200): "زياد بن سيمين كوش. قَالَ حماد بن سلمة، عَنْ ليث، عَنْ طاوس، عَنْ زياد، عَنْ عَبْداللَّه بن عمرو - رفعه - في الفتن. وروى حماد بن زيد وغيره عن عَبْداللَّه بْن عَمْرو - قوله، وهو أصح".

وذكره مسلم في «الطبقات» في تابعي أهل اليمن (1189) فقال: "زياد بن سيمينقوش".

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (3/551) (2489): "زياد سيمين كوش اليماني. روى عن عبدالله بن عمرو. روى عنه طاوس. سمعت أبي يقول ذلك".

وقال ابن حبان في «الثقات» (4/254) (2782): "زِيَاد بْن سيمين كوش: يروي عَن عَبْدالله بْن عَمْرو. روى عَنهُ طَاوس، من حَدِيث لَيْث بْن أَبِي سليم".

ومن المتأخرين ممن يرى أنهما اثنان: ابن حجر - رحمه الله -، كما قال في «تهذيب التهذيب» (3/319) فإنه حرر ذلك. وهذا يناقض قوله في «التقريب» الذي أشرت إليه في القول السابق، ثم رجع عن ذلك ودوّن ذلك على هامش نسخته.

وقال في «تعجيل المنفعة» (1/555): "جزم المزي فِي تَرْجَمَة زِيَاد الاعجم بِأَنَّهُ هُوَ، وَلكنه سمى أَبَاهُ سليماً، وَذكر أن سيمين كوش لقب لزياد، وَقد بسطت تَرْجَمته فِي «تَهْذِيب التَّهْذِيب»".

قال ابن حجر في «تهذيب التهذيب»: "سِيمِينْكُوْش - بكسر المهملة، والميم، بينهما مثناة من تحت، وبعد الميم أخرى، ثم نون ساكنة، وكاف مضمومة، واو ساكنة ثم معجمة -، ثم قيل: هو اسم والده، وقيل: بل لقبه، وقيل هو: بألف بدل التحتانية التي بعد الميم، وقيل بالواو بدل الألف، وقيل بالميم الممالة، وقيل بحذف التحتانية الثانية، وقيل بقاف بدل الكاف، وقيل بكاف مشوبة بقاف، وقيل بجيم مشوبة بكاف، وقيل في الأولى بحذف الواو.

والذي يظهر لي بعد التأمل الطويل أنه آخر غير زياد الأعجم الشاعر، فإني ما وجدت أحداً من المؤرخين ولا ممن ذكر من طبقات الشعراء ذكر أن اسم والد الأعجم سيمين كوش، ولا أنه لقبه! بل أطبقوا على أنه ابن سليم، أو أسلم، أو سليمان، أو سلمى. وقيل اسم أبيه: جابر، وقيل: الحارث، وأنه مولى عبد القيس، وأنه من إصطخر، أو سِيف البحر من بلاد عبد القيس. وقدم البصرة وسكن خراسان، ومدح وهجا، ولا ذكر أحد منهم أنه روى الحديث! وإنما نُقلت عنه حكايات فمنهم: خليفة بن خياط، والمدائني، ومحمد بن سلام الجمحي، وأبو محمد بن قتيبة، والمُبرد، والهيثم بن عدي، وابن دريد، والجاحظ، ودعبل، وابن المعتز، والزبيدي، وأبو سعيد السكري، ومحمد بن حبيب، ومن المتأخرين ابن عساكر في «تاريخه الكبير» وهو عمدة المزني الكبرى.

وأما أهل الحديث فلم يذكر أحد منهم في ترجمة زياد الذي روى عنه طاوس أنه الشاعر، ولا أنه من عبد القيس، ولا أنه من أهل إصطخر، ولا سكن خراسان، بل أطبقوا على أنه اليماني، وأنه سيمينكوش أو هو اسم أبيه، وذكروا أنه روى حديثاً واحداً، وهو المخرّج في هذه الكتب إلا أن الشيرازي في «كتاب الألقاب» ذكر له حديثاً آخر.

فمنهم: رأسهم البخاري، وتبعه مسلم، وابن أبي حاتم، وابن حبان في ثقات التابعين، ونبّه على أن حديثه من رواية ليث بن أبي سليم، فقال: «روى عنه طاوس من حديث ليث»، هذا لفظه، والذي وقع عند المزي أن فيه: «روى عنه ليث بن أبي سليم»، ثم اعترض عليه، وقد نبّه عليه مغلطاي، ووجدته كما قال في عدة نسخ. ولم يذكر الحاكم أبو أحمد في «الكنى» زياد الأعجم مع إطباقهم بأن كنيته أبو أمامة؛ لأنه لا رواية له في الحديث! ولم يذكر ابن عساكر في ترجمة «زياد الأعجم» أنه يماني، ولا تعرض لسيمينكوش، ولا أن له رواية حديث نبوي عن عبدالله بن عمرو بن العاص، وإنما أورد من «طبقات خليفة بن خياط» له حكاية عن عثمان بن أبي العاص وأبي موسى الأشعري في كتاب ورد عليه من عمر، ولم يصرح بأنه حضرها، بل ذلك محتمل مع بُعده؛ لأن في ترجمته: أنه أدرك خلافة هشام، ومقتضى ذلك أن يكون عاش مائة أو أكثر، ولو كان كذلك لكان مدح الأمراء في زمن معاوية، ولم يذكروا له شيئاً من ذلك إلا بعد موت عمر بنحو أربعين سنة، ولم يذكر صاحب «الكمال» في ترجمة الراوي إلا روايته عن عبدالله بن عمر، ورواية طاوس عنه، ولا قال: إنه الأعجم، وقال: إنه يماني، وكذا نسبه المزي في «الأطراف»، وكذا أخرجه ابن أبي شيبة عن عبدالله بن إدريس عن ليث.

ثم وقفت على سبب الوهم فيه في بعض الروايات عن أبي داود؛ فإنه ساق السند إلى ليث فقال: «عن طاوس عن رجل يقال له: زياد» فذكر الحديث. وقال بعده: «رواه الثوري عن ليث عن طاوس» إلى هنا لأكثر الرواة عن أبي داود. زاد اللؤلؤي وكثير منهم: «عن الأعجم»، ثم قال أبو داود: «حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع: حدثنا عبدالله بن عبدالقدوس - يعني عن ليث، عن زياد سميين كوش». زاد أبو الحسن ابن العبد في روايته: «إنما هو زياد الأعجمي»! كأنه يرد على من قال: إنه زياد الأعجم، وإنما هو: زياد الأعجمي، لكونه من أهل فارس الذين كانوا باليمن، وهذه الرواية التي وصف فيها بالأعجم هي التي حملت المزي على أنه الشاعر المشهور، وفي زيادة ابن العبد إشارة إلى رد ذلك وأنه غيره، ويقوي ذلك أيضاً أن طاوساً يماني، وجُل روايته عن الصحابة، فكأن هذا اليماني قديم أخذ عنه طاوس ببلده قبل أن يرحل ويسمع من عبدالله بن عمرو، فإن روايته عنه عند مسلم من حديث آخر.

قلت: وفي ثقات ابن حبان: «زياد بن سيمونكوش: يروي عن عبدالله بن عمرو، وعنه طاوس، من حديث ليث بن أبي سليم عنه»، وعلى هذا فلا يتجه الاعتراض عليه! والله أعلم. ثم إن زياد الأعجم لم أر من قال إنه يلقب بسيمونكوش، والظاهر أنه غيره". انتهى كلامه.

قلت: هذا تحرير ما بعده تحرير من الحافظ ابن حجر - رحمه الله-.

·       تعليق د. بشار عواد على كلام ابن حجر! والرد عليه! وأخذ عادل مرشد لكلام بشار دون إشارة له!

قال محقق «تهذيب الكمال» الدكتور بشار معروف في تعليقه على كتاب المزي: "كتب مغلطاي تعليقاً طويلاً، أخذه ابن حجر فذكره في زياداته على التهذيب، مفاده أن زياداً الأعجم هو غير زياد الذي روى عنه طاوس، وهو زياد بن سمينكوش الذي تقع روايته في الكتب الثلاثة، وأفاضا في ذلك، والحقّ معهما، وإنما تابع المزي ابن عساكر، وما أظنهما أصابا".

وأعاد هذا التعليق مع زيادة وتعديل في كتابه هو وشعيب الأرنؤوط «تحرير تقريب التهذيب» (1/425) فقالا: "كتب العلامة مغلطاي تعليقاً طويلاً أخذه ابن حجر فذكره في زياداته على «التهذيب»، مفاده أن زياداً الأعجم هو غير الذي أخرجوا له، وهو زياد بن سيمينكوش. وكتب ابن حجر على حاشية نسخته من «التقريب» ما يُفيد ذلك. والحق مع مغلطاي وابن حجر في توهيم ابن عساكر والمزي".

وقد أخذ عادل مرشد محقق كتاب «تقريب التهذيب» هذا الكلام الأخير كله فعلّق به لنفسه في الحاشية (ص160) وقال: "كتب العلامة مغلطاي تعليقاً طويلاً أخذه ابن حجر فذكره في زياداته على التهذيب، مفاده أن زياداً الأعجم هو غير زياد بن سليم الذي أخرجوا له، وهو زياد بن سيمينكوش، وكتب ابن حجر على حاشية نسخته من التقريب ما يفيد ذلك. والحق مع مغلطاي وابن حجر في توهيم ابن عساكر والمزي".

قلت: نعم، اعتمد ابن حجر - رحمه الله- على ما نقله مغلطاي في ترجمته لزياد في «الإكمال» (5/112)، ولكن كلامه لم يكن صريحاً في ذلك كتصريح ابن حجر! وتعليق مغلطاي في كتابه حول أخبار زياد الشاعر، وكلامه الذي اعتمده ابن حجر هو: "ولقد حرصت على أن أجد أحداً من قدماء العلماء قال إن الأعجم يعرف بسيميكوش فلم أجد أحداً قاله كالكلبي، وابن دريد، والمبرد، والمدائني والجاحظ، ومن بعدهم، والله أعلم".

فهذا كلام مغلطاي الذي اعتمده ابن حجر، وكلام بشار كعادته فيه اتهام للحافظ ابن حجر بسرقة جهد غيره! وهذه وقاحة منه! وهذا ديدنه وهو دائم الغمز بابن حجر، وسمعنا ذلك مراراً منه! وظنّ بخربشاته في «تحريره» أنه يستدرك على الحافظ وما نجح ولا أفلح! فأين الثرى من الثريا! فلو عاش دهوراً طويلة ما بلغ واحد بالمليون مما عند ابن حجر في الحديث، وقد خبرت جهله في الحديث! فكيف يتطاول على أئمة هذا الفن! والله المستعان.

وقد أخذ عادل مرشد كلام بشار معروف وشعيب كاملاً ولم يشر إلى ذلك!! وأضاف فيه اسم زياد فقط فقال: "هو غير زياد بن سليم"!

ونسأل عادل مرشد عن قوله: "والحق مع مغلطاي وابن حجر في توهيم ابن عساكر والمزي"؟ فأين ورد ذكر ابن عساكر والمزي أثناء تحقيقه لكتاب «التقريب»؟!

ثمّ كيف نسب بشار معروف للمزي أنه تبع ابن عساكر في رأيه بأنهما واحد؟! فإن مغلطاي وابن حجر لم يذكرا ذلك!! بل إن ابن حجر قال إن ابن عساكر في «تاريخه» في ترجمة «زياد الأعجم» لم يذكر أنه يماني ولا تعرض لسيمينكوش!!!

ومن قرأ ترجمة «زياد الأعجم» في «تاريخ ابن عساكر» لا يجد لا من قريب، ولا من بعيد أنه يرى أن «زياد بن سيمينكوش» هو «زياد الأعجم»، والترجمة كلها تتعلق بالأعجم فقط! فكيف يزعم بشار أن المزي تبع ابن عساكر في ذلك؟!!

وهذا بسبب عدم معرفة بشار بهذا العلم الشريف! فلما وجد أن كلام المزي في التعريف بزياد سيمينكوش هو نفس الكلام الذي ذكره ابن عساكر في ترجمته لزياد الأعجم! فنسب ذلك لابن عساكر! وهذا ليس بصحيح!

وإنما هذا فهم المزي، لا أنه رأي الحافظ ابن عساكر، فقد ظن المزي أنهما واحد، فنقل ما عند ابن عساكر في ترجمته كعادته في جمع المعلومات، ولم يتنبه إلى أنه لم يذكر زياد سيمينكوش في الترجمة! وإنما حصل الخلط للمزي كما قال ابن حجر بسبب ما جاء في بعض ما نُقل في كتاب أبي داود من نسبة «الأعجم»!

·       مسألة مهمة في التحقيق!

وأما محقق «سير أعلام النبلاء» شعيب الأرنؤوط فإنه لم يعقب على رأي الذهبي في أنهما واحد، ولكنه في تحقيقه لـ «مسند أحمد» ذهب إلى رأي ابن حجر بأنهما اثنان، وكان الأولى به أن ينبه على ذلك ويستدرك على نفسه! وهنا مسألة مهمة للمشتغل بهذا العلم: وهي أن لا يفصل بين تحقيقاته ومصنفاته، بل يراجعها باستمرار وينبه على أمور قد يخالف فيها اجتهاده السابق، وغير ذلك من الأمور المهمة.

·       كلام لمُحقِّق آخر غير مُحقَّق!

هذا وقد نقل المعلّق صالح اللحام أثناء كلامه على حديث زياد في «غرائب شعبة» كلاماً للألباني في «الضعيفة» عند الكلام على روايات أبي داود للحديث، وهل رواية ابن عبدالقدوس متابعة لرواية ليث أم لا! وأنه يرى أنها ليست متابعة له!! ثم نقل تعقب ابن حجر في «النكت الظراف» على المزي لإخلاله بطريق عبدالله بن عبدالقدوس التي عند أبي داود! ثم تعقب اللحام محقق كتاب «تحفة الأشراف»، وأنه يميل إلى ما ذكره الحافظ ابن حجر لا إلى ما ذكره شيخه الألباني!!

قلت: من يقرأ كلام اللحام يدرك أنه ينقل بلا وعي، ومن غير تحقيق! فكلام الألباني واضح أنه يرى أن رواية ابن عبدالقدوس ليست متابعة لرواية الليث، وإنما أراد أبو داود من إيرادها أن يبيّن أن ابن عبدالقدوس قد سمى هذا الرجل «سيمين كوش»، ولهذا قال في «الضعيفة» (3229): "ولا يعني ذلك أن عبدالله بن عبدالقدوس رواها عن زياد".

وفي الحقيقة لا يوجد تعارض بين كلام ابن حجر وكلام الألباني حتى يرجّح اللحام كلام ابن حجر على كلام شيخه! وهذا هو الذي جعل ابن حجر يتعقّب المزي بإخلاله برواية ابن عبدالقدوس، وهذا الإخلال - الذي لم يوضحه اللحام- يتلخص في أن المزي عندما ذكر هذا الحديث في «التحفة» ذكر فقط رواية أبي داود عن محمد بن عبيد عن حماد بن زيد، ولم يذكر رواية الثوري، ورواية ابن عبدالقدوس! فتعقبه ابن حجر في «النكت الظراف» فقال: "فأخلَّ المزي بطريق الثوري وهي معلقة. وبطريق عبدالله بن عبدالقدوس وهي موصولة". وهذا الذي لم يذكره المزي واعترض عليه فيه ابن حجر ذكره محقق التحفة، ووضعه بين قوسين، فتعقبه في ذلك اللحام واعترض عليه بأن وضعه بين قوسين لا يعفيه من إثباته في الأصل! وقد يكون في بعض النسخ، والله أعلم.

ولكن هذا كلّه لا علاقة له بالترجيح بين كلام ابن حجر وكلام الشيخ الألباني، فهما متوافقان في الرأي، فابن حجر يرى أن عبدالله بن عبدالقدوس رواه عن ليث به، وقال في روايته: زياد سيمينكوش. لا أن ابن عبدالقدوس رواه مباشرة عن زياد. قال ابن حجر: " ثم قال أبو داود: «حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع: حدثنا عبدالله بن عبدالقدوس - يعني عن ليث، عن زياد سميين كوش»".

وهذا هو عينه كلام الألباني. ولم يفهم اللحام كلام شيخه فظن أن شيخه ينفي أن تكون هذه الرواية متابعة أصلاً! وهذا يعني أنها ليست موصولة! ولهذا رجّح كلام ابن حجر في اعتبارها موصولة! ولكن الألباني لا يقصد بأنها ليست موصولة، وإنما يقصد بأنها ليست متابعة لليث فقط! فهو يثبت أن ابن عبدالقدوس رواها عن الليث، والله أعلم.

ومن رجع لترجمة «عَبداللَّهِ بْن عبدالقدوس التميمي السعدي» في «تهذيب الكمال» (15/242) (3397) وجد أنه يروي عن ليث بن أبي سُليم.

·       الخلاصة في زياد هذا!

والخلاصة أن «زياد الأعجم الشاعر» غير «زياد السكوني سيمينكوش» راوي هذا الحديث، فالشاعر معروف مشهور ولا يوجد له رواية للحديث، والآخر صاحب هذا الأثر يماني قديم، يتفرد بالرواية عنه طاوس.

·       تعقّب مغلطاي للمزي في نقله عن ابن حبان!

قال المزي في ترجمة «زياد بن سليم» (9/477): "وذكره ابنُ حِبَّان في كتاب «الثقات»، وَقَال: «روى عنه ليث بن أَبي سليم». كذا قال. والمحفوظ عن ليث بْن أَبي سليم، عن طاوس عنه".

فتعقبه مغلطاي في «الإكمال» وقال: "وزعم المزي أن ابن حبان قال: روى عنه: ليث بن أبي سليم، قال المزي: والمحفوظ عن ليث عن طاوس عنه.

ألزمه ما لم يقله وإنما *** قال الصواب فدع نقول مُقلد

وابن حبان إنما قال: زياد سيمونكوش، يروي عن عبدالله بن عمرو، روى عنه طاوس من حديث ليث بن أبي سليم. كذا هو في ثلاث نسخ جيّاد إحداها بخط الصيريفيني الحافظ" انتهى.

ونبّه ابن حجر لهذا كما مر فقال: "والذي وقع عند المزي أن فيه: «روى عنه ليث بن أبي سليم»، ثم اعترض عليه، وقد نبّه عليه مغلطاي، ووجدته كما قال في عدة نسخ".

فوافق مغلطاي على ذلك وأنه كذلك في عدة نسخ من كتاب ابن حبان. وما ذكره مغلطاي هو الصواب؛ لأنه كذلك في كتاب ابن حبان، وكأن النسخة التي اعتمدها المزي في سقط، وهي هكذا: ""زِيَاد بْن سيمين كوش: يروي عَن عَبْدالله بْن عَمْرو. روى عَنهُ لَيْث بْن أَبِي سليم".

فسقط منها: "[طَاوس من حَدِيث]"، فصارت أن الذي روى عنه ليث! ولهذا ردّه المزي، وبيّن الصواب.

فالمزي لم يخطئ، وإنما هو وجد ذلك في النسخة التي اعتمدها، وردّ ذلك، والله أعلم.

·       تعقّب مغلطاي للبخاري!

وقد تعقّب مغلطاي البخاري في أن له حديثاً آخر.

قال مغلطاي في «الإكمال»: "وفي كتاب «الألقاب» للشيرازي من نسخة قُرئت عليه: «زياد سيمينكوش». وفي موضع آخر: «زياد سيمنحوش»، وابن سيمنحوش عن عبدالله بن عمرو: أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن سليمان بن داود - صلى الله عليه وسلم - أوثق شياطين في البحر، فإذا كانت سنة خمس وثلاثين خرجوا في صور الناس» انتهى. فيه ردٌّ لقول من قال: لا أعرف له غير حديث الفتنة".

وهذا الحديث من رواية ليث بن أبي سُليم عن زياد أيضاً.

ذكره السيوطي في «اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة» (1/229)، قال: قَالَ الشِّيرَازِيّ فِي «الألقاب»: أَنْبَأنَا أَبُو الْحُسَيْن عَبْدالله بْن مُوسَى، قال: أَنْبَأنَا حَفْص بْن عُمَر الأردبيلي الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم، قال: حَدَّثَنَا سهل بْن دَاوُد، قال: حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن عِيسَى بْن حمدَان، قال: حَدَّثَنَا سَلمَة بْن الْفضل بْن الأبرش، عَن سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن لَيْث، عَن طَاوس، عَن زِيَاد سيمينكوش، عَن عَبْدالله بن عَمْرو: أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِن سُلَيْمَان بْن دَاوُد أوثق شياطين فِي الْبَحْر، فَإِذا كَانَ سنة خمس وَثَلَاثِينَ خَرجُوا فِي صور النَّاس وأبشارهم، فجالسوهم فِي الْمجَالِس والمساجد، ونازعوهم الْقُرْآن الحَدِيث».

قلت: فهذا استدراك صحيح من مغلطاي على الإمام البخاري. وهذا الإسناد نفسه الذي يُروى به الحديث الأول، وهو من رواية ليث بن أبي سُليم، لكنه أخطأ في رفعه!

فقد رواه مَعمر بن راشد في «جامعه» [المطبوع مع «مصنف عبدالرزاق» (11/383) (20807)] عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: «إِنَّ فِي الْبَحْرِ شَيَاطِينَ مَسْجُونَةً، أَوْثَقَهَا سُلَيْمَانُ، يُوشِكُ أَنْ تَخْرُجَ، فَتَقْرَأَ عَلَى النَّاسِ قُرْآنًا».

ورواه مسلمٌ في «مقدمة صحيحه»، باب النهي عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط في تحملها، (1/12) عن مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عن عَبْدِالرَّزَّاقِ، عن مَعْمَرٍ، به.

وهو كما قال ابن حجر مما نقلته عنه آنفاً: "فكأن هذا اليماني قديم، أخذ عنه طاوس ببلده قبل أن يرحل ويسمع من عبدالله بن عمرو، فإن روايته عنه عند مسلم من حديث آخر".

فالظاهر أن طاوس سمع منه عن عبدالله بن عمرو، ثم رحل وسمع من عبدالله بن عمرو، ورواية ابن طاوس هذه عن أبيه عن عبدالله بن عمرو ترفع من حال زياد هذا، ورفع هذه الأحاديث الخطأ في ذلك من ليث بن أبي سُليم، وهو ضعيف.

وكأن هذه الرواية من الإسرائيليات التي كان يحدِّث بها عبدالله بن عمرو من الزاملتين اللتين غنمهما في معركة اليرموك.

وقد قال السيوطي بعد أن ذكره: "وَهَذَا الْإِسْنَاد لَا بَأْس بِهِ".

قلت: كيف يكون لا بأس به، وليث ضعيف! وقد رفعه فأخطأ!

وكتب: خالد الحايك.

شاركنا تعليقك